سورة النحل [١٦: ٨٩]
{وَيَوْمَ نَبْعَثُ فِى كُلِّ أُمَّةٍ شَهِيدًا عَلَيْهِم مِّنْ أَنفُسِهِمْ وَجِئْنَا بِكَ شَهِيدًا عَلَى هَؤُلَاءِ وَنَزَّلْنَا عَلَيْكَ الْكِتَابَ تِبْيَانًا لِكُلِّ شَىْءٍ وَهُدًى وَرَحْمَةً وَبُشْرَى لِلْمُسْلِمِينَ}:
{وَيَوْمَ نَبْعَثُ فِى كُلِّ أُمَّةٍ شَهِيدًا عَلَيْهِم مِّنْ أَنفُسِهِمْ}: هذه الآية تشبه الآية (٨٤)، مع الاختلاف الآتي: في هذه الآية قال تعالى: {وَيَوْمَ نَبْعَثُ فِى كُلِّ أُمَّةٍ شَهِيدًا}، بينما في الآية (٨٤): {وَيَوْمَ نَبْعَثُ مِنْ كُلِّ أُمَّةٍ شَهِيدًا}.
فكلمة في: تعني: الشّهيد من خارج هذه الأمة؛ أيْ: شاهد من أمة أخرى.
أمّا من: فتعني: الشّهيد من تلك الأمة نفسها، وقلنا: إنّ الشّهيد هنا يعني: النّبي الّذي بُعث لتلك الأمة؛ فهذا الشّهيد النّبي يشهد لنفسه، ويشهد على أمته؛ مثل: موسى -عليه السلام- ، وعيسى -عليه السلام- ، وإبراهيم -عليه السلام- .
أمّا في الآية (٨٩): {وَيَوْمَ نَبْعَثُ فِى كُلِّ أُمَّةٍ شَهِيدًا عَلَيْهِم مِّنْ أَنفُسِهِمْ}: أيْ: من جنسهم من البشر، ومن خارج تلك الأمة مثلاً: يبعث الله شهيداً من أمة محمّد -صلى الله عليه وسلم-؛ الأئمّة أو أولوا العلم الّذين بلغوا منهج الله ليشهدوا على أنّ موسى قد بلغ أمته الرّسالة، أو يشهدوا أنّ عيسى قد بلغ أمته الرّسالة، وهذا يؤكده قول الحق سبحانه: {وَكَذَلِكَ جَعَلْنَاكُمْ أُمَّةً وَسَطًا لِتَكُونُوا شُهَدَاءَ عَلَى النَّاسِ وَيَكُونَ الرَّسُولُ عَلَيْكُمْ شَهِيدًا} [البقرة: ١٤٣].
وكيف يشهد أحدهم، وهو لم يكن من معاصري تلك الأمة. ارجع إلى الآية (١٤٣) من سورة البقرة؛ للبيان.
{وَجِئْنَا بِكَ شَهِيدًا عَلَى هَؤُلَاءِ}: وجئنا بك يا محمّد -صلى الله عليه وسلم- شهيداً على هؤلاء؛ أيْ: على أمتك، وقال: شهيداً، وليس شاهداً؛ لمعرفة الفرق: ارجع إلى الآية (١٣٣) من سورة البقرة.
{بِكَ شَهِيدًا عَلَى هَؤُلَاءِ}: بدلاً من القول: وجئنا على هؤلاء بك؛ تقديم بك الجار والمجرور يدل على الحصر، والاهتمام، وأمّا تقديم هؤلاء على كلمة بك: فيدل على ضلال تلك الأمة؛ لكونهم أشركوا، أو حرَّفوا كلام الله.
{هَؤُلَاءِ}: الهاء: للتنبيه؛ أولاء: اسم إشارة تشير إلى أمة محمّد أمة الإسلام. ارجع إلى الآية (٤١) من سورة النّساء؛ للمقارنة.
{وَنَزَّلْنَا عَلَيْكَ الْكِتَابَ}: ونزلنا؛ أيْ: منجماً مفرقاً عليك، وليس إليك. ارجع إلى الآية (٤) من سورة البقرة؛ للبيان.
{الْكِتَابَ}: القرآن الكريم.
{تِبْيَانًا لِكُلِّ شَىْءٍ}: التّبيان مصدر مبين؛ أي: المبين لكلّ شيء.
{لِكُلِّ شَىْءٍ}: شيء: اسم جنس؛ تعني: كلَّ ما يسمَّى شيئاً، بيانه في الكتاب (القرآن)، ويؤيِّد ذلك قوله تعالى: {مَا فَرَّطْنَا فِى الْكِتَابِ مِنْ شَىْءٍ} [الأنعام: ٣٨]، ويشمل ذلك سنة رسول الله -صلى الله عليه وسلم- قولاً، وفعلاً، وتقريراً.
{وَهُدًى وَرَحْمَةً}: ارجع إلى الآية (٦٤) من نفس السّورة.
{وَبُشْرَى لِلْمُسْلِمِينَ}: البشرى: على وزن فُعلى: وهي الخبر السّارُّ تسمعه لأوّل مرة، وسمِّي بشرى من البشارة، والبشرة؛ لأنّه يظهر أثرها على الوجه بعلامات السّرور، والفرح، وغالباً ما تستعمل في الخير، وإذا ذكرت في سياق الشّر فيراد بها التّهكم؛ فالقرآن الكريم يُعدُّ بشرى للمسلمين.
{لِلْمُسْلِمِينَ}: اللام: لام الاختصاص؛ أيْ: يبشرهم بالثّواب العظيم، والنّعيم الخالد في الآخرة.