للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

مسار الصفحة الحالية:

سورة مريم [١٩: ٨]

{قَالَ رَبِّ أَنَّى يَكُونُ لِى غُلَامٌ وَكَانَتِ امْرَأَتِى عَاقِرًا وَقَدْ بَلَغْتُ مِنَ الْكِبَرِ عِتِيًّا}:

{قَالَ رَبِّ أَنَّى يَكُونُ لِى غُلَامٌ}: قال رب: ارجع إلى الآية (٤) من نفس السورة. قال زكريا: رب أنَّى: تحمل معنى الاستفهام؛ أي: كيف، ومن أين، وفيها تعجب؛ فهو يستفهم، ويتعجب من الغلام الّذي تبشره به الملائكة؛ فكيف يكون له غلام!

{غُلَامٌ}: هو من شارف على البلوغ، سواء أبلغ سن البلوغ، أم لم يبلغ، وهو في مرحلة يكون شديد الشهوة، وتقدر بين (١٤ سنة، و١٧ سنة).

{وَكَانَتِ امْرَأَتِى عَاقِرًا}: أي: في الماضي، والحاضر، وهو لا يشك أبداً بقدرة الله تعالى، ولكن يستفهم، ويتعجب.

{وَقَدْ بَلَغْتُ مِنَ الْكِبَرِ عِتِيًّا}: قد: للتحقيق، والتّوكيد.

{بَلَغْتُ مِنَ الْكِبَرِ عِتِيًّا}: ويعيد، ويكرر على كون امرأته عاقراً، وأنّه بلغ من الكبر عتياً، ورغم أنّه قال سابقاً: وهن العظم مني واشتعل الرّأس شيباً، فلماذا يكرر السّؤال مرتين، أو لِمَ يذكر ذلك؟ أليس الله يعلم حاله، وحال امرأته؟

الجواب: نعم، ولكن من شدة فرحته، وكأنّه لا يصدق بشارة الملائكة، أو يحاول التّذكير بحاله، وحالة زوجته، والتّأكد ليطمئن قلبه.

{عِتِيًّا}: من عتى كَبِر وَوَلى؛ يعني: أصبحت عظامي، ومفاصلي؛ كالعود اليابس، أو التّصلب، أو بلغت مراحل الهرم الّذي لا يقوى على منعه، أو إيقافه أيُّ دواء، أو وسيلة حتّى ينتهي بالموت.

لنقارن هذه الآية (٨) من سورة مريم مع الآية (٤٠) من سورة آل عمران: {قَالَ رَبِّ أَنَّى يَكُونُ لِى غُلَامٌ وَقَدْ بَلَغَنِىَ الْكِبَرُ وَامْرَأَتِى عَاقِرٌ}.

ففي آية آل عمران قال: وقد بلغني الكبر، ولم يُبين درجة الكبر، وفي آية مريم قال: وقد بلغت من الكبر عتياً، بيَّن درجة الكبر، ووصف الكبر بالعتي.

وفي آية آل عمران قال: وامرأتي عاقر؛ يعني: الآن، وفي آية مريم قال: وكانت امرأتي عاقراً؛ أي: منذ شبابها؛ أي: عقرها مرض قديم، ولا زال إلى الآن؛ فكلا الآيتين تعطي معلومة جديدة، وليس تكرار.