سورة البقرة [٢: ١٤٥]
{وَلَئِنْ أَتَيْتَ الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتَابَ بِكُلِّ آيَةٍ مَا تَبِعُوا قِبْلَتَكَ وَمَا أَنْتَ بِتَابِعٍ قِبْلَتَهُمْ وَمَا بَعْضُهُم بِتَابِعٍ قِبْلَةَ بَعْضٍ وَلَئِنِ اتَّبَعْتَ أَهْوَاءَهُم مِنْ بَعْدِ مَا جَاءَكَ مِنَ الْعِلْمِ إِنَّكَ إِذًا لَمِنَ الظَّالِمِينَ}:
{وَلَئِنْ}: الواو: عاطفة، لئن: اللام للتوكيد، إن: شرطية.
{أَتَيْتَ}: من أتى؛ أي: ولئن جئت.
وأتى فيها سهولة أكثر من جئت (المجيء فيه معنى المشقة والصّعوبة)، والإيتاء في القرآن غالباً ما يستعمل في الكتب السّماوية، والرّحمة، والمال، والزّكاة، والأمور الخطيرة، والمعنوية، ويختلف عن العطاء بأنّ الإيتاء ليس فيه تملك. ارجع إلى الآية (١٣٦) من سورة البقرة.
{الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتَابَ}: ارجع إلى الآية السّابقة (١٤٤).
{بِكُلِّ آيَةٍ}: الباء: للإلصاق، آية برهان ودليل، أو حجة على أنّ الحق هو تحويل القبلة من ربهم أملاً في اتباع قبلتك.
{مَا تَبِعُوا قِبْلَتَكَ}: ما: النّافية للحال والاستقبال، تبعوا قبلتك: إلى المسجد الحرام عناداً وتكبراً.
{وَمَا أَنْتَ بِتَابِعٍ قِبْلَتَهُمْ}: وما أنت بتابع قبلتهم بعد اليوم إلى بيت المقدس، ولا فائدة ترجى من فعل ذلك، ما: النّافية، أنت: ضمير فصل للتوكيد والحصر.
{بِتَابِعٍ قِبْلَتَهُمْ}: الباء: للتوكيد (الإلصاق)، قبلة اليهود نحو بيت المقدس، وقبلة النّصارى نحو المشرق مطلع الشّمس.
{وَمَا بَعْضُهُم بِتَابِعٍ قِبْلَةَ بَعْضٍ}: وما: للنفي والاستبعاد؛ أي: فلن تترك اليهود قبلتها، وتتجه إلى المشرق (مطلع الشّمس)، ولا النّصارى ستترك قبلتها نحو المشرق (مطلع الشّمس)، وتتَّجه إلى بيت المقدس مهما جاءتهم من الآيات.
{وَلَئِنِ اتَّبَعْتَ أَهْوَاءَهُم مِنْ بَعْدِ مَا جَاءَكَ مِنَ الْعِلْمِ إِنَّكَ إِذًا لَمِنَ الظَّالِمِينَ}: ثم جاء التّهديد من الله لنبيِّه، ويقصد به أمته، ومن خطر مخالفة أوامر الله، ونواهيه، واتباع الأهواء.
{وَلَئِنِ}: الواو: عاطفة، لئن: اللام للتأكيد، إن شرطية.
{اتَّبَعْتَ أَهْوَاءَهُم}: فصلَّيت إلى قبلتهم حرصاً على أن يتبعوك، ويؤمنوا لك ويصدِّقوك بعدما جاءك من الحق إنك إذن لمن الظّالمين.
{أَهْوَاءَهُم}: جمع هوى: والهوى ما يدور في العقل، وما تريده النّفس، وتميل إليه باطلاً، أو بما لا ينبغي، ولا دليل عليه، والهوى يغلب عليه صفة الذَّم، والهوى بالأداء والاعتقادات، والشّهوة تختص بنيل الملذات.
{مِنْ بَعْدِ مَا جَاءَكَ مِنَ الْعِلْمِ}: من: لابتداء الغاية؛ أي: تعني: مباشرة من بعد ما: لغير العاقل (تحويل القبلة) جاءك به الوحي، من العلم: علم اليقين من عند الله بأنّ الكعبة هي القبلة، وليس بيت المقدس إلى يوم القيامة. ارجع إلى الآية السابقة (١٢٠) للمقارنة ومعرفة معنى {بَعْدِ مَا جَاءَكَ مِنَ الْعِلْمِ}، وقوله تعالى: {مِنْ بَعْدِ مَا جَاءَكَ مِنَ الْعِلْمِ}؛ الذي: تعني: القرآن والإسلام؛ ما: تعني: تحويل القبلة.
{إِنَّكَ إِذًا لَمِنَ الظَّالِمِينَ}: إنك: إن للتوكيد، إذن: حرف جواب، لمن: اللام للتوكيد.
{الظَّالِمِينَ}: أنفسهم، وهذا في الحقيقة خطاب للمسلمين، بلا أدنى شك، بأن يتبعوا أوامر الله، ويتجنَّبوا أهواء الظالمين، وظلم النفس من جراء الخروج عن منهج الله وأوامره سبحانه.
الظالمين: جملة اسمية تفيد الثّبوت صفة الظّلم عندهم ثابتة لا تتغير ارجع إلى الآية (١٥٤) لمزيد من البيان من سورة البقرة. وإذا قارنا هذه الآية (١٤٥) مع الآية (١٢٠) نجد الاختلاف بين قوله تعالى: {مَا لَكَ مِنَ اللَّهِ مِنْ وَلِىٍّ وَلَا نَصِيرٍ} [البقرة: ١٢٠]، {إِنَّكَ إِذًا لَمِنَ الظَّالِمِينَ} [البقرة: ١٤٥] {مَا لَكَ مِنَ اللَّهِ مِنْ وَلِىٍّ وَلَا نَصِيرٍ}: أشد وأبلغ في التحذير من {إِنَّكَ إِذًا لَمِنَ الظَّالِمِينَ}.