{وَقَدْ كَفَرُوا بِهِ}: وقد: الواو للتوكيد (حالية)، قد: للتحقيق، قد تحقّق كفرهم به، كفروا به:(بالإيمان وبالله وبالبعث وبمحمّد وبالقرآن).
{مِنْ قَبْلُ}: أي في الدّنيا، حين عُرض عليهم، من: تدل على الزّمن القريب.
{وَيَقْذِفُونَ بِالْغَيْبِ}: العرب تقول لكلّ من يتكلم بالظّن وفيما لا علم له به بأنّه: يقذف ويرجم بالغيب؛ أي: يقذفون بألسنتهم بالغيب: بالظّن أو بما لا علم لهم به، يرجمون ويقذفون الله تعالى بأنّ له الولد والشّريك والنّدّ والمثيل، وأنّ الملائكة بنات الله والعُزير والمسيح ابن الله! وأنّ هناك نسباً بين الله والجنّة! أو يقولون: لا بعث ولا حساب ولا آخرة ولا جنة ولا نار، أو يقولون: ساحر ومجنون وكاهن.
{مِنْ مَّكَانٍ بَعِيدٍ}: أي كانوا يقذفون بالغيب حين كانوا في مكان بعيد (أي الدّنيا) وهم الآن في الآخرة.
وإذا قارنّا هذه الآية مع قوله تعالى:{قُلْ إِنَّ رَبِّى يَقْذِفُ بِالْحَقِّ عَلَّامُ الْغُيُوبِ} آية (٤٨) من السّورة نفسها، فالله يقذف بالحق (بالأمر الثّابت الّذي لا يوجد غيره ولا يتغيّر ولا يتبدّل). وهم يقذفون بالباطل.
والله سبحانه يقذف؛ لأنّه علام الغيوب فيحقّ له أن يقذف، أمّا هم يقذفون بالغيب بدون علم، وإنما مجرد الافتراء والظّن والتّخمين، فقذفهم لا يصيب الهدف ويرجع قذفهم عليهم حسرات.