سورة النساء [٤: ٢٦]
{يُرِيدُ اللَّهُ لِيُبَيِّنَ لَكُمْ وَيَهْدِيَكُمْ سُنَنَ الَّذِينَ مِنْ قَبْلِكُمْ وَيَتُوبَ عَلَيْكُمْ وَاللَّهُ عَلِيمٌ حَكِيمٌ}:
{يُرِيدُ اللَّهُ لِيُبَيِّنَ لَكُمْ}: اللام: للتوكيد.
{لِيُبَيِّنَ لَكُمْ}: بإنزال هذه الآيات والتكاليف، والأحكام الشرعية، والحلال والحرام، والحسن والقبيح، والحق والباطل، وما يجب فعله، وما لا يجب فعله.
{وَيَهْدِيَكُمْ}: أيْ: يبيِّن لكم طريق الرشد؛ لتسلكوه، وتصلوا إلى الغاية، ولم يقل: وليهديكم، كما قال: {لِيُبَيِّنَ لَكُمْ}: إضافة اللام في {لِيُبَيِّنَ لَكُمْ}: لتدل على التوكيد؛ يعني: أن البيان أهم من الهداية، فلو كانا بنفس الأهمية لأضاف اللام لكليهما؛ لأن البيان هو إظهار المعنى للنفس بحيث لم يعد هناك شك، أو حُجَّة لها، ثم بعد البيان تصبح الهداية أسهل، وأهون على النفس، يهديها إلى صراطها فتسير عليه إلى الغاية.
{سُنَنَ الَّذِينَ مِنْ قَبْلِكُمْ}: سنن جمع سُنَّة؛ أيْ: طريقة، فهناك السُّنن الكونية، وسُنن الله في خلقه، وسُنن الأنبياء والصالحين الذين جاؤوا من قبلكم؛ لتقتدوا بها، وتسلكوها. وإنما وضعت هذه السُّنن؛ لتحقق مصالح الإنسان، كما أرادها الله له. ارجع إلى سورة آل عمران، آية (١٣٧)؛ لمزيد من البيان في معنى السُّنن.
{وَيَتُوبَ عَلَيْكُمْ}: أيْ: يتقبل توبتكم بفضله إذا تبتم إليه من ذنوبكم، ورجعتم إليه، ولكي يسود الحق والثبات في الكون.
وأركان التوبة:
١ - الإقلاع عن الذنب، والمعصية، وعدم العودة إليها.
٢ - الندم على فعلها.
٣ - إرجاع الحقوق إلى أهلها.
٤ - الإكثار من النوافل والأعمال الصالحة.
{وَاللَّهُ عَلِيمٌ}: أحاط علمه بكل شيء بجمع خلقه، وكونه، والأشياء ظاهرها وباطنها، العليم بما شرع لكم، وما هي مصلحتكم، وما ينفعكم، وما يضركم، علم بما كان، وما هو كائن، وما سيكون، لا تخفى عليه خافية، العليم بالغيب، ومفاتحه.
{حَكِيمٌ}: فيما شرعه لكم، وقدره، وأفعاله، وأقواله، وكونه، فهو أحكم الحاكمين.
{حَكِيمٌ}: مشتقة من الحكمة، وحكيم: بمعنى الحاكم.
وانتبه إلى هذا الترتيب: البيان ليبين لكم، ثم الهداية ويهديكم بالتوبة (ويتوب عليكم)، فالتوبة تكون لما حدث من التقصير في الاتِّباع، أو خلل في الهداية، وقدم العليم على الحكيم؛ لأن السياق في العلم (لبيان الهداية والتوبة) كلها تحتاج إلى علم بينه العليم الحكيم.