سبب النّزول: كما ورد عن ابن عباس أنّ المشركين دعوا رسول الله -صلى الله عليه وسلم- إلى عبادة آلهتهم وهم يعبدون معه إلهَه، فنزلت هذه الآية:{قُلْ أَفَغَيْرَ اللَّهِ تَأْمُرُونِّى أَعْبُدُ أَيُّهَا الْجَاهِلُونَ}.
{تَأْمُرُونِّى}: النّون لزيادة التّوكيد أعبد أصلها أن أعبد أيّها الجاهلون.
{أَعْبُدُ أَيُّهَا الْجَاهِلُونَ}: جمع جاهل، وصفهم بالجاهلين؛ لأنّ ما دعوا إليه رسولَ الله أن يعبد آلهتهم يدلُّ على جهل.
والجهل: يعني عدم العلم، وهذا هو أصل الجهل، أو بخلاف الحق، وقد يأتي الجهل بمعنى اعتقاد الشيء بخلاف ما هو عليه أو الكذب، أو فعل الشيء بخلاف ما كان يجب أن يفعل مثل أن ينكر الصلاة عمداً، أو قد يأتي الهزو بمعنى الجهل كقوله: أتتخذنا هزوا؟ قال: عوذ بالله أن أكون من الجاهلين، والجهل: قد يعني السفه كقوله: وإذا خاطبهم الجاهلون؛ أي: السفهاء بالأذى، وقد يأتي في سياق الشذوذ عن الفطرة كما خاطب قوم لوط بالقول:{أَنتُمْ قَوْمٌ تَجْهَلُونَ}[النمل: ٥٥]، أو يأتي في سياق استعجال العذاب، أو عقاب الله تعالى كقوله:{فَأْتِنَا بِمَا تَعِدُنَا إِنْ كُنْتَ مِنَ الصَّادِقِينَ قَالَ إِنَّمَا الْعِلْمُ عِنْدَ اللَّهِ وَأُبَلِّغُكُمْ مَا أُرْسِلْتُ بِهِ وَلَكِنِّى أَرَاكُمْ قَوْمًا تَجْهَلُونَ}[الأحقاف: ٢٢-٢٣]، أو في سياق طلب عبادة الأوثان كقوله تعالى:{قَالُوا يَامُوسَى اجْعَل لَنَا إِلَهًا كَمَا لَهُمْ آلِهَةٌ قَالَ إِنَّكُمْ قَوْمٌ تَجْهَلُونَ}[الأعراف: ١٣٨]، أو رداً على طلبهم بإنزال الآيات والمعجزات لكي يؤمنوا؛ كقوله تعالى:{وَلَوْ أَنَّنَا نَزَّلْنَا إِلَيْهِمُ الْمَلَائِكَةَ وَكَلَّمَهُمُ الْمَوْتَى وَحَشَرْنَا عَلَيْهِمْ كُلَّ شَىْءٍ قُبُلًا مَا كَانُوا لِيُؤْمِنُوا إِلَّا أَنْ يَشَاءَ اللَّهُ وَلَكِنَّ أَكْثَرَهُمْ يَجْهَلُونَ}[الأنعام: ١١١].
أو: كيف تأمروني أعبد غير الله بعد كلّ هذه الآيات والدّلائل، وهو خالق كلّ شيء، وعلى كلّ شيء وكيل، وله مقاليد السّموات والأرض. أيّها الجاهلون: بعظمة الله وقدرته.