سورة النحل [١٦: ٦٦]
{وَإِنَّ لَكُمْ فِى الْأَنْعَامِ لَعِبْرَةً نُّسْقِيكُم مِمَّا فِى بُطُونِهِ مِنْ بَيْنِ فَرْثٍ وَدَمٍ لَبَنًا خَالِصًا سَائِغًا لِلشَّارِبِينَ}:
وهذه الآية الأخرى دليل محسوس على قدرة الله تعالى في عالم الحيوان.
{وَإِنَّ لَكُمْ فِى الْأَنْعَامِ}: وإن: للتوكيد.
{لَكُمْ}: اللام: لام الاختصاص؛ أيْ: لكم خاصة أيها النّاس.
{فِى}: ظرفية.
{الْأَنْعَامِ}: ثمانية أزواج من الغنم اثنين، ومن الماعز اثنين، ومن البقر اثنين، ومن الإبل اثنين.
{لَعِبْرَةً}: اللام: لام التّعليل؛ عبرة: مشتقة من العبور، وهو الانتقال من طرف إلى طرف من طرف الجهل إلى طرف العلم، والعبرة: الدّلالة الموصلة إلى اليقين، أو الآية الّتي يُعْبَرُ بها من منزلة الجهل إلى منزلة العلم.
{نُّسْقِيكُم مِمَّا فِى بُطُونِهِ}: نسقيكم: نسب السقيا إلى ذاته الكريمة لأهمية وعظم فائدة هذه السقيا، والتي تدل على رحمة الرب بعباده حتى يسقيهم بذاته؛ بطونه: التذكير يدل على القلة؛ لأن هذه الآية تتحدث عن إسقاء اللبن، واللبن؛ أي: الحليب يخرج من قسم من إناث الأنعام؛ هذا القسم الذي يعطي اللبن من الإناث هو قسم قليل مقارنة بعدد الأنعام عامة، وإذا قارنا هذه الآية مع الآية (٢١) من سورة المؤمنون، وهي قوله تعالى: {نُّسْقِيكُم مِمَّا فِى بُطُونِهَا} التأنيث يدل على الكثرة إذا قارنا عدد إناث بشكل عام بعدد الأنعام؛ الهاء: تعود على إناث الأنعام، ولم يقل مما في بطونها. انظر إلى الفرق بين بطونه وبطونها في نهاية الآية.
{مِنْ بَيْنِ فَرْثٍ وَدَمٍ}: من: ابتدائية.
{بَيْنِ فَرْثٍ}: الفرث: هو الطّعام المهضوم المختلط بعصارات الهضم… وغيرها، والجاهز للامتصاص من جدر الأمعاء.
{وَدَمٍ}: بعد امتصاص الفرث ينتقل بالدّم، ويصبح كريه المنظر، والرّائحة؛ ينتقل إلى الثديين، وكل ثدي رباعي التركيب؛ كلّ ربع يعمل مستقلاً لإنتاج وتخزين اللبن بواسطة الغدد اللبنية المتصلة بالشعيرات الدموية المغذية لها؛ هذه الغدد الّتي تستخلص اللبن من الدم الشرياني المؤكسد، واللنف الحامل للفرث (الطعام المهضوم) ليصفَّى، ويصبح:
{لَبَنًا خَالِصًا}: حليباً صافياً.
{سَائِغًا لِلشَّارِبِينَ}: السّائغ: طيب الطعم يسهل بلعه.
لنقارن هذه الآية من سورة النّحل: {نُّسْقِيكُم مِمَّا فِى بُطُونِهِ}، والآية (٢١) من سورة المؤمنون: {نُّسْقِيكُم مِمَّا فِى بُطُونِهَا}.
آية سورة النّحل: ممّا في بطونه: تتحدث عن نسبة الإناث الضئيلة الّتي تُحلب؛ أيْ: تعطي الحليب بالنّسبة لإناث الأنعام بشكل عام، والّتي تشمل الإناث الصّغيرة، أو المسنة، أو الّتي لا تدر باللبن؛ فإن عددها قليل؛ فجاء بصيغة المذكر (بطونه) بدلاً من بطونها؛ لتدل على القلَّة.
أمّا آية (المؤمنون): مما في بطونها: فبطونها تشير إلى نسبة كلّ إناث الأنعام بشكل عام؛ لعدد الأنعام؛ فهي كثيرة؛ فاستعمل صيغة التأنيث (بطونها)؛ لتدل على الكثرة.
أو آية النّحل: تشير إلى الجنس (جنس الأنعام)، فذكر الضّمير؛ فقال: في بطونه.
أمّا آية (المؤمنون): فتشير إلى إناث الأنعام الّتي تُحلب، وتعطي الحليب أنث الضّمير.