سورة البقرة [٢: ٩٦]
{وَلَتَجِدَنَّهُمْ أَحْرَصَ النَّاسِ عَلَى حَيَاةٍ وَمِنَ الَّذِينَ أَشْرَكُوا يَوَدُّ أَحَدُهُمْ لَوْ يُعَمَّرُ أَلْفَ سَنَةٍ وَمَا هُوَ بِمُزَحْزِحِهِ مِنَ الْعَذَابِ أَنْ يُعَمَّرَ وَاللَّهُ بَصِيرٌ بِمَا يَعْمَلُونَ}.
{وَلَتَجِدَنَّهُمْ}: الواو عاطفة، لتجدنهم: اللام؛ لام التّوكيد، والنون في تجدنهم، (بدلاً من تجدهم)، تدل على زيادة التّوكيد.
{أَحْرَصَ النَّاسِ عَلَى حَيَاةٍ}: النّاس. ارجع إلى الآية (٢١) من نفس السورة للبيان.
{أَحْرَصَ النَّاسِ}: الحرص؛ هو شدة الطمع، والحرص؛ طلب الشيء بجشع.
{عَلَى حَيَاةٍ}: حياة؛ جاءت نكرة، وغرض التنكير؛ التحقير، والذم.
فهم يحرصون على أي نوع من أنواع الحياة، ولو كانت دنيئة، أو رخيصة، أو حياة ذلٍّ وعبودية، المهم حياة، ويحرصون أن تكون حياة طويلة، ليست قصيرة؛ أي: عمراً طويلاً.
{وَمِنَ الَّذِينَ أَشْرَكُوا}: أي: أنّ حرصهم على حياة، مهما كان نوعها، يفوق حرص الّذين أشركوا، قيل: هم مشركو العرب، أو المجوس.
{يَوَدُّ أَحَدُهُمْ لَوْ يُعَمَّرُ أَلْفَ سَنَةٍ}: يود: من الود: وهو ميل القلب والتمني؛ أي: يتمنى أحدهم، تعود على اليهود، والّذين أشركوا، يتمنى أحدهم.
{لَوْ}: للتمني، والتمني في هذه الحالة مستحيل أن يحصل.
{يُعَمَّرُ}: يعيش؛ أي: يبقى في الدّنيا، {يُعَمَّرُ}: بفتح العين، وتشديد الميم، وتدل على المبني للمجهول؛ لأنّ العمر ليس ملكاً للإنسان، والعمر كلمة مشتقة من العمار؛ لأنّ الجسد تعمره الحياة.
والعمر كما نعلم هو السن، الذي يقطعه الإنسان بين ميلاده، ووفاته.
{أَلْفَ سَنَةٍ}: أي: يعيش ألف سنة، والعرب كانت تضرب الألف؛ للمبالغة في العدد.
{وَمَا}: الواو، ما؛ النّافية. {هُوَ}: للتوكيد.
{بِمُزَحْزِحِهِ مِنَ الْعَذَابِ أَنْ يُعَمَّرَ}: أي: ليس تعميره في هذه الدّنيا؛ أي: بقاؤه في الحياة الدّنيا، وإن طال وبلغ ألف سنة، أو أكثر، فسوف يزحزحه؛ أي: يبعده، ويخلصه من نيل العقاب، أو العذاب، الذي يستحقه.
ولماذا كانوا يتمنون أن يعمروا ألف سنة أو أكثر؟
إما لأنهم يخافون من عذاب الآخرة؛ الذي ينتظرهم لسوء أعمالهم، فلا يرون في الآخرة خيراً، وإما لأنهم لا يؤمنون بالبعث والحساب، ويرون أنّ الموت هو النهاية، فهم يطلبون أن يعيشوا أطول مدَّة.
{وَاللَّهُ بَصِيرٌ بِمَا يَعْمَلُونَ}: أي: الله سبحانه محيط، ومطلع على أقوالهم، وأفعالهم الظاهرة، والباطنة، ولا يخفى عليه شيء في الأرض، ولا في السماء، وقدَّم كلمة {بَصِيرٌ} على {يَعْمَلُونَ}: لأنّ السياق في الأعمال الباطنة.
{بِمَا}: الباء؛ للإلصاق، وما اسم موصول بمعنى الذي، أو مصدرية؛ (أي: عملوا).
{يَعْمَلُونَ}: تضم الأقوال، والأفعال.