سورة هود [١١: ١٠]
{وَلَئِنْ أَذَقْنَاهُ نَعْمَاءَ بَعْدَ ضَرَّاءَ مَسَّتْهُ لَيَقُولَنَّ ذَهَبَ السَّيِّئَاتُ عَنِّى إِنَّهُ لَفَرِحٌ فَخُورٌ}:
{وَلَئِنْ أَذَقْنَاهُ}: ارجع إلى الآية (٩).
{نَعْمَاءَ بَعْدَ ضَرَّاءَ مَسَّتْهُ}: النّعماء: وردت هذه الكلمة فقط في هذه الآية، وهي هنا مقابل الضراء؛ فالإنسان إما في نعماء، أو في ضراء؛ النّعماء: مأخوذة من النّعمة: بفتح النّون، والنّعمة هي اسم مرة، والنّعماء لا يراد بها هنا ذكر النّعم الكثيرة، بل يراد بها الإشارة إلى جنس النّعم، وصفتها.
ولماذا اختار كلمة النّعماء بدلاً من النّعمة؛ لأنّ النّعماء تظهر على صاحبها، أمّا النّعمة فقد تظهر، وقد لا تظهر، سواء بالبصر، أم الكلام.
نعماء بعد ضراء: الضّراء، والمضرة الّتي تكون ظاهرة على الشّخص؛ من الضّر: وهو الشّيء الّذي يؤلم النّفس، ويضر بها؛ أيْ: أذقناه نعماء بدلاً من الضّراء.
{مَسَّتْهُ}: والمس: أقل اللّمس، أو الإدراك، أو الدّرجة في الإصابة.
{لَيَقُولَنَّ}: اللام: لام التّوكيد؛ يقولن: مضارع فيه توكيد بالنّون.
{ذَهَبَ السَّيِّئَاتُ عَنِّى}: ولم يقل: ذهبت السيئات عني في اللغة يجوز التذكير والتأنيث، وجاء بالتذكير هنا يعني أثر السيئات؛ أي: العذاب؛ أي: ذهب أثر السيئات (العذاب) عني ولم يحمد ويشكر الله؛ ليقولنّ: ذهب السّيئات: جمع سيئة، وهي كلّ ما يسيء إلى النّفس؛ أيْ: زال وذهب عني البؤس، أو الفقر، والضّر، والخوف، وعدم الأمن، والمرض؛ اكتفى بذكر النّعماء، ولم يذكر المنعِم.
{إِنَّهُ لَفَرِحٌ فَخُورٌ}: إنّه: إنّ: للتوكيد؛ لفرح: اللام: لزيادة التّوكيد، فرح: كثير الفرح، وهذا الفرح من الفرح المذموم، ويعني البطر. ارجع إلى سورة آل عمران آية (١٧٠) لمزيد من البيان في معنى الفرح وأنواعه.
{فَخُورٌ}: صيغة مبالغة من الفخر؛ كثير الفخر، والفخر: نوع من التّكبر على النّاس بالقول؛ أيْ: يُزكي الإنسان نفسه، ويمدح نفسه، ويثني عليها، ويأتي في مقام الذّم.
انتبه إلى كلمة نِعمة: وردت بالإفراد، وكسر النّون في (٤٧) آية في القرآن، وتعني: الرّحمة، ومضافة إلى الله، وهي شيء حسن، وخير، ووردت كلمة نَعمة: بالإفراد، وفتح النّون في آيتين فقط، وجاءت في سياق النّعمة، والرّفاهية المذمومة، أو الرّخاء المذموم.
فهي تدل على شيء مذموم، أو ترد في سياق الذّم؛ كقوله تعالى في سورة المزمل، آية (١١): {أُولِى النَّعْمَةِ}، وسورة الدخان، آية (٢٧): {وَنَعْمَةٍ كَانُوا فِيهَا فَاكِهِينَ}.