سورة آل عمران [٣: ٧٣]
{وَلَا تُؤْمِنُوا إِلَّا لِمَنْ تَبِعَ دِينَكُمْ قُلْ إِنَّ الْهُدَى هُدَى اللَّهِ أَنْ يُؤْتَى أَحَدٌ مِّثْلَ مَا أُوتِيتُمْ أَوْ يُحَاجُّوكُمْ عِنْدَ رَبِّكُمْ قُلْ إِنَّ الْفَضْلَ بِيَدِ اللَّهِ يُؤْتِيهِ مَنْ يَشَاءُ وَاللَّهُ وَاسِعٌ عَلِيمٌ}:
{وَلَا تُؤْمِنُوا إِلَّا لِمَنْ تَبِعَ دِينَكُمْ}: تتمة للآية (٧٢) السابقة، وقالت الطائفة نفسها: آمنوا بالذي أنزل على الذين آمنوا وجه النهار، واكفروا آخره لعلهم يرجعون، وهذه الآية تحمل عدة تفسيرات:
١ - الاحتمال الأول: هو أن نعتبر جملة قل: إن الهدى هدى الله جملة اعتراضية، وما تبقى من الآية هو قول أهل الكتاب.
٢ - الاحتمال الثاني: أن يعتبر أن كلام أهل الكتاب قد انتهى بقوله: ولا تؤمنوا إلا لمن يتبع دينكم قل: إن الهدى جملة جديدة، وما بعدها تتمة لقوله: إن الهدى هدى الله.
التفسير على ضوء الاحتمال الأول:
{وَلَا}: الواو: عاطفة، لا: الناهية.
{تُؤْمِنُوا}: أي: لا تصدقوا، أو تتولوا من الموالاة، وتثقوا بأحدٍ إذا لم يكن يهودياً، أو نصرانياً.
{إِلَّا}: أداة حصر؛ أي: لا تؤمنوا حصراً وقصراً إلا.
{لِمَنْ}: اللام: للتوكيد، من: ابتدائية.
{تَبِعَ دِينَكُمْ}: ملتكم، وشريعتكم.
{قُلْ إِنَّ الْهُدَى هُدَى اللَّهِ}: جملة اعتراضية كما قلنا سابقاً جاءت في منتصف كلام أهل الكتاب.
إن: للتوكيد، قل: لا ينفع مكركم، وما تبيتونه؛ لأن الهدى هدى الله، الهدى: المراد به الدين؛ أي: الإسلام، هدى الله: دين الله، الهدى الموصل إلى الغاية وهي رضوان الله وحده، وهو الهدى الكامل التام، وإذا قارنا هذه الآية مع الآية (١٢٠) في سورة البقرة وهي قوله تعالى: {قُلْ إِنَّ هُدَى اللَّهِ هُوَ الْهُدَى} المراد بهدى الله في هذه الآية: تحويل القبلة.
{أَنْ يُؤْتَى أَحَدٌ مِّثْلَ مَا أُوتِيتُمْ}: أي: لا تقرُّوا لأحدٍ من أتباع محمد أنهم قد أوتوا من العلم شيئاً، مثل ما أوتيتم، أو لا تخبروا بأنهم على الحق، أو أسروا تصديقكم بأن المسلمين قد أوتوا من كتب الله مثل ما أوتيتم، أو لا تظهروا ما عندكم من العلم للمسلمين فيتعلموه منكم، ويساووكم فيه، أو يتخذوه حُجَّة ضدكم، واحجبوا أسراركم عن المؤمنين.
والخلاصة: لا تؤمنوا لأتباع محمد من المسلمين، ولا تطلعوهم على ما عندكم من العلم، إلا إذا ارتدوا وتبعوا دينكم.
ولا تصدقوا أن يؤتى أحد مثلما أوتيتم من العلم، والآيات والنعيم، ولا تصدقوا أن يجادلوكم يوم القيامة عند ربكم؛ لأنكم أصح ديناً منهم، قل إن دين الإسلام هو دين الله.
التفسير على ضوء الاحتمال الثاني وهو:
أن قول الطائفة قد تم عند قولهم: ولا تؤمنوا إلا لمن تبع دينكم. وانتهى كلامهم.
وما بعده هو قول الله سبحانه؛ أي: قل: أن يؤتى أحد مثل ما أوتيتم، المخاطب هنا أمة محمد -صلى الله عليه وسلم-.
{أَنْ يُؤْتَى أَحَدٌ مِّثْلَ مَا أُوتِيتُمْ أَوْ يُحَاجُّوكُمْ عِنْدَ رَبِّكُمْ}: أن: تفسيرية، أو نافية؛ (أي: لم يؤتَ أحدٌ مثلما أوتيتم)؛ أي: أعطيتم يا أمة محمد -صلى الله عليه وسلم- من الدِّين والقرآن والحجة ما لم يُعطَ أحدٌ من الناس، ولا تصدقوا أن أهل الكتاب، أو غيرهم سيحاجونكم عند ربكم؛ لأنهم لا حجة لهم.
{قُلْ إِنَّ الْفَضْلَ بِيَدِ اللَّهِ يُؤْتِيهِ مَنْ يَشَاءُ وَاللَّهُ وَاسِعٌ عَلِيمٌ}:
{قُلْ}: يا محمد.
{إِنَّ}: للتوكيد.
{الْفَضْلَ}: هو القرآن (الكتاب)، كما قال تعالى في سورة فاطر، آية (٣٢): {ثُمَّ أَوْرَثْنَا الْكِتَابَ الَّذِينَ اصْطَفَيْنَا مِنْ عِبَادِنَا فَمِنْهُمْ ظَالِمٌ لِّنَفْسِهِ وَمِنْهُم مُّقْتَصِدٌ وَمِنْهُمْ سَابِقٌ بِالْخَيْرَاتِ بِإِذْنِ اللَّهِ ذَلِكَ هُوَ الْفَضْلُ الْكَبِيرُ}.
{بِيَدِ اللَّهِ يُؤْتِيهِ مَنْ يَشَاءُ}: من عباده.
{وَاللَّهُ وَاسِعٌ}: ارجع إلى الآية (٢٦٨) من سورة البقرة.
{عَلِيمٌ}: بمن يستحق الفضل، ومن لا يستحقه.