سورة الأنعام [٦: ٣٣]
{قَدْ نَعْلَمُ إِنَّهُ لَيَحْزُنُكَ الَّذِى يَقُولُونَ فَإِنَّهُمْ لَا يُكَذِّبُونَكَ وَلَكِنَّ الظَّالِمِينَ بِآيَاتِ اللَّهِ يَجْحَدُونَ}:
{قَدْ}: حرف للتحقيق والتوكيد؛ أيْ: نعلم.
{نَعْلَمُ إِنَّهُ}: إنه: لزيادة التوكيد؛ أيْ: إننا نعلم بكل توكيد.
{لَيَحْزُنُكَ}: اللام: لام الاختصاص، وتفيد أيضاً التوكيد، والحزُن: بضم الزاي: هو ألم النفس؛ أيْ: ضيق في الصدر على شيء قد مضى، ضيق مؤقت، له مدة من الزمن، قد تطول، أو تقصر، ثم ينتهي.
أما الحزَن: بفتح الزاي: فهو ضيق في الصدر، ولكنه دائم، وليس مؤقتاً، كما هو الحال في الحزُن الذي يستمر إلى زمن الموت؛ أيْ: يموت ومعه حزنه؛ كالمحكوم عليه بالإعدام، أو الموت بالسرطان؛ فالحزن لا ينقضي ويزول.
{الَّذِى يَقُولُونَ}: يقولون: جاءت بصيغة المضارع، ولم يقل: (الذي قالوا)؛ بصيغة الماضي؛ ليدل على استمرار ما يقولون، وأنه لم يتوقف، أو حكاية الحال، بدل الذي قالوا؛ لبشاعة ما قالوا.
والذي يقولون: إنك ساحر، أو مجنون، أو كذاب، أو لست مرسلاً، وغيره، أو ما يقولونه في عدم إيمانهم، وكفرهم، أو تمشي في الأسواق، أو ليس لك جنة من نخيل، وعنب، ولولا أنزل إليك ملك.
{فَإِنَّهُمْ}: الفاء: للتعليل، إنهم للتوكيد.
{لَا يُكَذِّبُونَكَ}: لا تفيد النفي، {يُكَذِّبُونَكَ}: جاءت بصيغة المضارع؛ لتدل على استمرار عدم تكذيبهم لك في نفوسهم وفي السر.
وإضافة النون تفيد التوكيد، ولم يقل: يكذبوك؛ كما جاء في سورة الحج، الآية (٤٢): {وَإِنْ يُكَذِّبُوكَ فَقَدْ كَذَّبَتْ قَبْلَهُمْ قَوْمُ نُوحٍ وَعَادٌ وَثَمُودُ}، لم يضف نون التوكيد؛ لأنه لا حاجة لتوكيد تكذيبهم.
ولا ننسى أنه في الآية (١٤٧) من سورة الأنعام، قال -جل وعلا- : {فَإِنْ كَذَّبُوكَ فَقُلْ رَّبُّكُمْ ذُو رَحْمَةٍ وَاسِعَةٍ}.
وفي سورة آل عمران، الآية (١٨٤)، قال -جل وعلا- : {فَإِنْ كَذَّبُوكَ فَقَدْ كُذِّبَ رُسُلٌ مِنْ قَبْلِكَ}.
فنحن أمام آيات مختلفة:
١ - لا يكذبونك.
٢ - وإن يكذبوك (الفرق بزيادة نون التوكيد).
٣ - فإن كذبوك.
فكيف نجمع بين لا يكذبوك، وبين فإن كذبوك؟
لا يكذبونك: في باطن أنفسهم، وفي نجواهم وسرهم؛ لأنك أنت الصادق الأمين، في أعينهم؛ إذ يعرفونك منذ سن الصغر، أنك لا تكذب، وأطلقوا عليك اسم الصادق الأمين.
{فَإِنْ كَذَّبُوكَ}: إن: شرطية؛ تفيد الاحتمال؛ أيْ: كذبوك أمام الناس؛ ليصدوا الناس عن الدخول في دِينك، واتباعك.
و {كَذَّبُوكَ}: جاءت بصيغة الماضي؛ لتدل على حادثة ما، وانتهت، أو زمن معين وانتهى؛ حين قالوا: ساحر، أو مجنون، أو يعلمه بشر، وغيرها؛ ارجع إلى سورة آل عمران آية (١٨٤) لمزيد من البيان.
{وَلَكِنَّ الظَّالِمِينَ بِآيَاتِ اللَّهِ يَجْحَدُونَ}:
{وَلَكِنَّ}: حرف استدراك.
{الظَّالِمِينَ}: وصفوا بالظالمين، وأن الظلم عندهم صفة ثابتة؛ لكونها جملة اسمية، تدل على الثبوت، والظلم: قد يعني الشرك؛ أي: المشركون بآيات الله، يجحدون، أو الظالمون؛ لكونهم يجحدون بآيات الله، سواء أكانت الآيات القرآنية، أم الكونية والمعجزات.
{يَجْحَدُونَ}: من الجحود؛ أيْ: ينكرون آيات الله، ولا يؤمنون بها، والباء بآيات: تدل على الإلصاق، والاستمرار.
وهناك فرق بين الإنكار والجحود:
الجحود: هو إنكار الشيء الظاهر؛ أيْ: هم ينكرون آيات الله كلها، الظاهرة، والمعلومة، مع العلم بها؛ فالجحود أخص من الإنكار، وقد يكون أمراً لسانياً قولياً، أيْ: ينكره بلسانه فقط، للعناد، ولكنه في نفسه يُقرُّ ذلك.
الإنكار: هو إنكار الشيء الخفي غالباً، وقد يشمل الشيء الظاهر.
أو الإنكار للشيء مع العلم به، أو غير العلم به، مثل إنكار النِّعمة؛ لأنها تكون خفية، كما قال تعالى: {يَعْرِفُونَ نِعْمَتَ اللَّهِ ثُمَّ يُنْكِرُونَهَا} [النحل: ٨٣].