للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

مسار الصفحة الحالية:

سورة غافر [٤٠: ٨٥]

{فَلَمْ يَكُ يَنفَعُهُمْ إِيمَانُهُمْ لَمَّا رَأَوْا بَأْسَنَا سُنَّتَ اللَّهِ الَّتِى قَدْ خَلَتْ فِى عِبَادِهِ وَخَسِرَ هُنَالِكَ الْكَافِرُونَ}:

{فَلَمْ}: الفاء للترتيب والمباشرة، لم: للنفي.

{يَكُ يَنفَعُهُمْ إِيمَانُهُمْ}: يك ولم يقل يكن؛ أي: لم ينفعهم إيمانهم أدنى أو أقل منفعة يمكن تصورها.

ولو قال فلم ينفعهم إيمانهم، لكان يعني: مهما كان حجم إيمانهم ونوعه وشدته، لم ينفعهم.

{لَمَّا رَأَوْا بَأْسَنَا}: تكرار هذه في الآيتين (٨٤، ٨٥) ليدل على التّوكيد؛ أي: حين ينزل العذاب بقرية أو بقوم فلن ينفعها إيمانها لم تكن آمنت من قبل أو كسبت في إيمانها خيراً.

{سُنَّتَ اللَّهِ الَّتِى قَدْ خَلَتْ فِى عِبَادِهِ}: السّنة العادة والطّريقة الّتي سنّها الله تعالى، وهي من تاب عند معاينة العذاب توبته لا تقبل، كما حدث لفرعون حين أدركه الغرق قال: {آمَنْتُ أَنَّهُ لَا إِلَهَ إِلَّا الَّذِى آمَنَتْ بِهِ بَنُوا إِسْرَاءِيلَ وَأَنَا مِنَ الْمُسْلِمِينَ آلْـئَانَ وَقَدْ عَصَيْتَ قَبْلُ وَكُنْتَ مِنَ الْمُفْسِدِينَ} [يونس: ٩٠–٩١].

ولابد من ذكر أن الله سبحانه (وله الأمر كله) استثنى من هذه السّنة قوم يونس فقال تعالى: {فَلَوْلَا كَانَتْ قَرْيَةٌ آمَنَتْ فَنَفَعَهَا إِيمَانُهَا إِلَّا قَوْمَ يُونُسَ لَمَّا آمَنُوا كَشَفْنَا عَنْهُمْ عَذَابَ الْخِزْىِ فِى الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَمَتَّعْنَاهُمْ إِلَى حِينٍ} [يونس: ٩٨].

{سُنَّتَ اللَّهِ الَّتِى قَدْ خَلَتْ فِى عِبَادِهِ}: وفي آية أخرى قال تعالى: {فَلَنْ تَجِدَ لِسُنَّتِ اللَّهِ تَبْدِيلًا وَلَنْ تَجِدَ لِسُنَّتِ اللَّهِ تَحْوِيلًا} [فاطر: ٤٣]. ارجع إلى سورة فاطر للبيان.

وفي هذه الآية تحذير وإنذار لكلّ كافر ومشرك ولمن يؤخّرون توبتهم.

{وَخَسِرَ هُنَالِكَ الْكَافِرُونَ}: خسر: بمعنى هلك، خسر نفسه.

هنالك: اسم إشارة للمكان البعيد، وقد تعني الزّمان؛ أي: خسروا وقت رؤيتهم العذاب، أو خسروا في ذلك المكان.

وكأنّهم لم يكونوا خاسرين قبل ذلك؛ لكونهم كانوا قادرين على التّوبة والإنابة قبل رؤية بأسنا.

{وَخَسِرَ هُنَالِكَ الْكَافِرُونَ}: الكافرون؛ لأنّ الآيات في سياق الإيمان والكفر لقوله تعالى: {قَالُوا آمَنَّا بِاللَّهِ وَحْدَهُ وَكَفَرْنَا بِمَا كُنَّا بِهِ مُشْرِكِينَ} فقال: {هُنَالِكَ الْكَافِرُونَ}.

ولو قارنّا هذه الآية (٨٥) بالآية (٧٨) السّابقة وهي قوله تعالى: {وَخَسِرَ هُنَالِكَ الْمُبْطِلُونَ} لوجدنا أنّ هذه الآية جاءت في سياق أو بعد قوله تعالى: {فَإِذَا جَاءَ أَمْرُ اللَّهِ قُضِىَ بِالْحَقِّ وَخَسِرَ هُنَالِكَ الْمُبْطِلُونَ} فالحق يقابله الباطل فاختار (المبطلون).

والآية (٨٥) جاءت في سياق الإيمان والكفر، وبما أن إيمانهم جاء متأخراً، وربما جاء قسراً وليس بإرادتهم كإيمان فرعون، ولذلك جاء بقوله تعالى {وَخَسِرَ هُنَالِكَ الْكَافِرُونَ}.