سورة فاطر [٣٥: ٢٥]
{وَإِنْ يُكَذِّبُوكَ فَقَدْ كَذَّبَ الَّذِينَ مِنْ قَبْلِهِمْ جَاءَتْهُمْ رُسُلُهُمْ بِالْبَيِّنَاتِ وَبِالزُّبُرِ وَبِالْكِتَابِ الْمُنِيرِ}:
{وَإِنْ}: الواو عاطفة، إن شرطية تفيد الاحتمال أو الافتراض أو النّدرة.
{يُكَذِّبُوكَ}: يا محمّد -صلى الله عليه وسلم-، يكذبوك كفار مكة وغيرهم، وجاءت بصيغة المضارع لتدل على التّجدُّد والتّكرار أو حكاية الحال، ولم يقل: وإن كذبوك تدل على الماضي وعلى مرة واحدة، وقال: كذب الّذين من قبلهم، ولم يقل: كذبت.
كذب تدل على القلة (بصيغة التّذكير) وكذبت تدل على الكثرة (بصيغة التّأنيث). ارجع إلى سورة آل عمران آية (١٨٤) للبيان، وسورة الأنعام آية (٣٣) للمقارنة.
{فَقَدْ}: الفاء رابطة لجواب الشّرط، قد: حرف تحقيق، أيْ: قد كذب الّذين من قبلهم وحدث ذلك.
{كَذَّبَ الَّذِينَ مِنْ قَبْلِهِمْ}: من الأمم الماضية كذبوا برسلهم، وبما جاؤوا به من البينات وبالزّبر وبالكتاب المنير. من: تدل على الزمن القريب.
{جَاءَتْهُمْ رُسُلُهُمْ}: مقارنة بـ جاءهم رسلهم؛ جاءتهم: تدل على كثرة الرسل الذين جاءوهم, وجاءهم: تدل على القلة, كقوله تعالى: {قُلْ قَدْ جَاءَكُمْ رُسُلٌ مِنْ قَبْلِى بِالْبَيِّنَاتِ} [آل عمران: ١٨٣].
{بِالْبَيِّنَاتِ}: بالمعجزات والدّلائل على النّبوَّة (نبوَّة رسلهم).
{وَبِالزُّبُرِ}: جمع زبور، وهو كلّ كتاب ذي حكمة وموعظة وسُمِّي زبوراً؛ لأنّه يزجر عن الباطل وليس فيه أحكام شرعية. ارجع إلى سورة النّساء آية (١٦٣) لمزيد من البيان.
{وَبِالْكِتَابِ الْمُنِيرِ}: الكتاب اسم جنس والكتاب المنير الواضح الحاوي على الأحكام مثل القرآن والتّوراة والإنجيل.
وتكرار الباء بالبينات وبالزّبر وبالكتاب المنير يفيد التّوكيد، ويدل على عظم مقاومة الأمم لرسلها، فالمقام مقام إنذار وتبليغ ودعوة، واستمرار الّذين من قبلهم في تكذيب رسلهم، فلذلك أضاف ثلاثة باءات، للدلالة على شدة الموقف والإنذار وكذلك الآيات الّتي وردت في السّياق، وهي قوله تعالى: {إِنْ يَشَأْ يُذْهِبْكُمْ وَيَأْتِ بِخَلْقٍ جَدِيدٍ وَمَا ذَلِكَ عَلَى اللَّهِ بِعَزِيزٍ} و {إِنَّمَا تُنْذِرُ الَّذِينَ يَخْشَوْنَ رَبَّهُمْ بِالْغَيْبِ} و {وَمَا يَسْتَوِى الْأَعْمَى وَالْبَصِيرُ}, وكذلك المجيء بالباء ثلاث مرات تدل على فصل كلٌ من البينات عن الزبر عن الكتاب المنير أو توزيع ما جاء الرسل من ربهم فمنهم من جاءُهم البينات (مثل: صالح وهود… وغيرهم), ومنهم من جاءُهم الزبر (داود), ومنهم من جاءُهم الكتب (محمد -صلى الله عليه وسلم-, وموسى, وعيسى), أما في قوله تعالى: {جَاءَتْهُمْ رُسُلُهُمْ بِالْبَيِّنَاتِ وَبِالزُّبُرِ وَبِالْكِتَابِ الْمُنِيرِ} بدون تكرار الباء: تدل على أن هناك من الرسل من جاءوا بالأنواع الثلاث.
وإذا قارنا هذه الآية بالآية (١٨٤) من سورة آل عمران، وهي قوله تعالى: {فَإِنْ كَذَّبُوكَ فَقَدْ كُذِّبَ رُسُلٌ مِنْ قَبْلِكَ جَاءُوا بِالْبَيِّنَاتِ وَالزُّبُرِ وَالْكِتَابِ الْمُنِيرِ} التّكذيب هنا بصيغة الماضي، ويدل على حادثة معينة وانتهى، ومقام التّبليغ والدّعوة في بدايته.