سورة فاطر [٣٥: ٥]
{يَاأَيُّهَا النَّاسُ إِنَّ وَعْدَ اللَّهِ حَقٌّ فَلَا تَغُرَّنَّكُمُ الْحَيَاةُ الدُّنْيَا وَلَا يَغُرَّنَّكُمْ بِاللَّهِ الْغَرُورُ}:
نداء جديد إلى النّاس جميعاً بتبليغ جديد وتحذير يا أيّها النّاس. ارجع إلى الآية (٣) للبيان.
{إِنَّ وَعْدَ اللَّهِ حَقٌّ}: إن للتوكيد، وعد الله حق: بالبعث والحساب والجزاء بالثّواب أو العقاب وبالجنة أو النّار، وكل ما وعد الله حق، أيْ: صدق ثابت لا يتغيَّر أبداً.
والوعد يأخذ حقيقته من الواعد فالواعد هو الله وهو الحق بذاته، ولا يوصف أيُّ وعد بأنّه مؤكد إلا وعد الله؛ لأنّه سبحانه قادر على الوفاء بالوعد وهو الحي القيوم، أمّا وعد الإنسان فهو وعد غير مؤكد، وقد يكون باطلاً.
{فَلَا تَغُرَّنَّكُمُ الْحَيَاةُ الدُّنْيَا}: الفاء فاء السّببية أيْ: تفيد الدّلالة على السّبب، تغرنكم: النّون في تغرنكم للتوكيد، تغرنكم من الغرور، وانتبه إلى لفظ الغَرُور.
الغُرُور: بضم الغين وهو كلّ ما يغترُّ به الإنسان من متاع الدّنيا والشّهوات والمال والجاه والأنعام والحرث حتّى ثناء النّاس عليه وغيرها، وهو نوع من الخداع، ناجم عن غفلة أو نقص في التدبر أو التفكير, وهو زائل وغير باقٍ أو دائم، مقارنة بمتاع الآخرة الدّائم الّذي لا ينفد.
والغَرُور بفتح الغين تعني: الشّيطان صيغة مبالغة على وزن مفعول، أيْ: كثير الغرور بالوسوسة والتّزيين والإغواء والإضلال والنزغ.
{فَلَا تَغُرَّنَّكُمُ الْحَيَاةُ الدُّنْيَا}: بجمالها وزينتها ومتاعها وشهواتها الفانية.
ولا يغرنكم الشّيطان بالوسوسة والأوهام والتّزيين والهوى وطول الأمل وحب الدّنيا.
وهناك فرق بين الغرور والخدع: فالغرور إيهام أو تصور يحمل الإنسان أو يجرُّه إلى فعل شيء هو غافل عنه، مثال: يرى السّراب فيظنه ماء، أو كما فعل إبليس بآدم فقال له: هل أدلك على شجرة الخلد ومُلك لا يبلى، أمّا الخدع: فهو ستر الصّواب ليوقع بالآخر أمراً غير مستحبٍّ، مثال: يخدعه في البيع والشّراء أو يظهر له خلاف الحقيقة.
والغرور قد يسمَّى خدعاً أو الخدع يسمَّى غروراً على سبيل التّوسع في المعنى، فالغرور له علاقة بالغفلة، والخداع له علاقة بستر الحقيقة.