سبب نزول هذه الآية: قدم وفد من بني تميم على رسول الله -صلى الله عليه وسلم- وهو في المدينة، وقيل: كانوا (٧٠) رجلاً فلما وصلوا إلى مسجد رسول الله -صلى الله عليه وسلم- راحوا ينادون رسول الله -صلى الله عليه وسلم- من وراء الحجرات؛ ليخرج إليهم. كما روى محمد بن إسحاق وغيره، وذكره الواحدي في أسباب النزول.
{إِنَّ الَّذِينَ}: إنّ للتوكيد، الذين: اسم موصول.
{يُنَادُونَكَ مِنْ وَرَاءِ الْحُجُرَاتِ}: جمع حجرة: وهي الرّقعة من الأرض المحجورة بحائط يحوط عليها، وتعني: الغرفة، وقد تكون الحجرة أصغر رقعة من الغرفة، والمراد بالحجرات: حجرات نساء رسول الله -صلى الله عليه وسلم- فكان لكلّ واحدة منهنّ حجرة، ولم يقل نسائك ولا حجراتك: وإنما استعمل الصّيغة العامة (حجرات) وهذا من الأدب الرّباني؛ لكي يتعلّم أصحاب رسول الله -صلى الله عليه وسلم- كيف ينادونه.
من وراء الحجرات، ولم يقل من خلف الحجرات؛ ما معنى من الوراء؟ من: ابتدائية، وراء: أوسع معنى من خلف من حيث البعد المكاني الذي قد يكون طويلاً أو قصيراً، وقد تعني من أمام الدّار أو الحجرة ولا من خلفها، وإنما هم نادوا وهم لا زالوا بعيدين؛ وتعني: من وراء الجُدُر (جمع جدار) وهو الحائط (أي الحجرات)، فنادوا مناداة بغلظة. ولا يعني أنّ الكلّ اشتركوا بالنّداء، والاحتمال أنّ بعضهم نادوا والباقين كانوا راضين عن ذلك، فكأنّ الكلّ اشترك في النّداء، وقد يحتمل أنّهم تفرّقوا فبعضهم نادى من هذه الجهة أو تلك.
{أَكْثَرُهُمْ لَا يَعْقِلُونَ}: أي هناك أقليّة يعقلون، والأكثرية وصفهم بالجهل والسَّفَه؛ لأن هذه المناداة ليست ضرورية، أو مناداته بهذا الشكل لا تدل على توقير واحترم لرسول الله -صلى الله عليه وسلم-.