للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

مسار الصفحة الحالية:

سورة الأنعام [٦: ٦١]

{وَهُوَ الْقَاهِرُ فَوْقَ عِبَادِهِ وَيُرْسِلُ عَلَيْكُمْ حَفَظَةً حَتَّى إِذَا جَاءَ أَحَدَكُمُ الْمَوْتُ تَوَفَّتْهُ رُسُلُنَا وَهُمْ لَا يُفَرِّطُونَ}:

{وَهُوَ الْقَاهِرُ}: جاء بضمير الفصل هو؛ ليدل على أنه هو وحده -عز وجل- القاهر.

{الْقَاهِرُ}: الغالب، المسيطر، القوي، المقتدر، المتحكم، لا يعجزه شيء، ولا يخرج أحد من تحت سيطرته.

{فَوْقَ عِبَادِهِ}: أيْ: هو فوقهم بقهره، وهم تحته بذلِّهم، فهو قهر استعلاء، فهم المقهورون بلا اختيار، والمنقادون لحكمه، فيما لهم فيه اختيار، أو غير اختيار، يقهر بالمرض، وبالفقر، وبالموت، والأذى، والضرر، والعذاب، وبالبأساء، والضراء.

{وَيُرْسِلُ عَلَيْكُمْ حَفَظَةً}: يحفظون أعمال العباد، ويكتبونها؛ لقوله: {إِذْ يَتَلَقَّى الْمُتَلَقِّيَانِ عَنِ الْيَمِينِ وَعَنِ الشِّمَالِ قَعِيدٌ} [ق: ١٧].

وهم الكرام الكاتبون، ومنهم المعقبات: {لَهُ مُعَقِّبَاتٌ مِنْ بَيْنِ يَدَيْهِ وَمِنْ خَلْفِهِ يَحْفَظُونَهُ مِنْ أَمْرِ اللَّهِ}، وأما الكرام الكاتبون فهم أربعة: ملكان بالليل، وملكان بالنهار، وأما الحفظة: جمع حافظ، موكلون بالعبد، يحفظونه من بين يديه، ومن خلفه، فإذا جاء أمر الله؛ أي: الذي قدَّره؛ خلَّوا بينه، وبين أمر الله؛ ليقع قضاء الله وقدره على عبده.

{حَتَّى}: حرف غاية، نهاية الغاية.

{إِذَا جَاءَ أَحَدَكُمُ الْمَوْتُ}: قدَّم المفعول به على الفاعل؛ للاهتمام، ولأن الموت شيء مكروه للإنسان؛ فهو قد أخّره، ولم يقل: «حتى إذا جاء الموت أحدكم»، ومجيء الموت صعب جداً، واستخدم جاء: المناسبة للصعوبة، والمشقة، وسكراته بدلاً من أتى التي تدل على السهولة.

{تَوَفَّتْهُ رُسُلُنَا}: نزعت ملائكة الموت روحه، بأمر من ملك الموت.

فالموت: ينسب إلى الله لقوله -عز وجل- : {اللَّهُ يَتَوَفَّى الْأَنفُسَ حِينَ مَوْتِهَا} [الزمر: ٤٢].

وينسب إلى ملك الموت لقوله: {قُلْ يَتَوَفَّاكُمْ مَلَكُ الْمَوْتِ الَّذِى وُكِّلَ بِكُمْ} [السجدة: ١١].

وينسب إلى الرسل: {حَتَّى إِذَا جَاءَ أَحَدَكُمُ الْمَوْتُ تَوَفَّتْهُ رُسُلُنَا وَهُمْ لَا يُفَرِّطُونَ} [الأنعام: ٦١].

انتبه {رُسُلُنَا}: هنا تعني: ملك الموت، إضافة إلى الملائكة الذين يحملون الروح، ويصعدون بها إلى علّيين، أو سجين.

فقبض الروح بالنسبة إلى الله سبحانه أمرٌ، وإلى ملك الموت واسطة الذي يأمر الرسل بقبض الروح؛ لقوله: {وَالنَّازِعَاتِ غَرْقًا وَالنَّاشِطَاتِ نَشْطًا} [النازعات: ١-٢].

{وَهُمْ لَا يُفَرِّطُونَ}: فرط: أهمل، لا يهملون، ولا يقصرون، ولا يتجاوزون الحد؛ أيْ: لا يستأخرون ساعة، ولا يستقدمون؛ حين يطلب منهم قبض الروح.

{وَهُمْ}: ضمير منفصل؛ يفيد التوكيد، والقصر الحقيقي على عدم تفريطهم.