سورة آل عمران [٣: ٧٩]
{مَا كَانَ لِبَشَرٍ أَنْ يُؤْتِيَهُ اللَّهُ الْكِتَابَ وَالْحُكْمَ وَالنُّبُوَّةَ ثُمَّ يَقُولَ لِلنَّاسِ كُونُوا عِبَادًا لِّى مِنْ دُونِ اللَّهِ وَلَكِنْ كُونُوا رَبَّانِيِّنَ بِمَا كُنتُمْ تُعَلِّمُونَ الْكِتَابَ وَبِمَا كُنتُمْ تَدْرُسُونَ}:
{مَا}: النافية؛ لنفي الحال خاصة وقد تنفي المستقبل والماضي، وأقوى أو آكد من ليس في النفي، والنفي بـ (لم) أقوى وآكد من النفي بـ (ما).
{كَانَ}: في الماضي، والحاضر، والمستقبل؛ أي: كان ينبغي، أو يحق، أو يستقيم لبشر.
{لِبَشَرٍ}: اللام: لام الاختصاص، لبشر: أي: من نبي، ولا رسول. والبشر: مشتقة من البشارة، ومن معانيها: حسن الهيئة، يقال: رجل بشير، وبشر؛ أي: حسن الهيئة، ولفظ البشر يعني: الظهور، وسموا بشراً؛ لظهورهم على وجه الأرض بعكس الجن، وظهور شأنهم، وعبر عن الإنسان بالبشر؛ بسبب الطبقة الظاهرة من الجلد، والتي تسمى البشرة، وهي غير مغطاة بالشعر، وخاصة بالإنسان.
{أَنْ}: حرف مصدري يفيد التوكيد.
{يُؤْتِيَهُ اللَّهُ الْكِتَابَ}: أي: ينزل عليه الكتاب، تشمل الكتب السماوية والصحف وغيرها. يؤتيه: من الإيتاء لمعرفة معنى الإيتاء ارجع إلى الآية (٢٥١) من سورة البقرة.
الكتاب: اسم جنس (القرآن، التوراة، الإنجيل، أو الزبور). ارجع إلى الآية (٣) من سورة آل عمران.
{وَالْحُكْمَ}: الفقه، والعلم في الدِّين (الشريعة)، ومعرفة الأحكام، والفتاوى.
{وَالنُّبُوَّةَ}: الرسالة.
{ثُمَّ يَقُولَ}: ثم: تفيد الترتيب الذِّكري، وليس التراخي في الزمن.
يقولَ، ولم يقل: يقولُ، ما هو الفرق؟
يقولَ: بالنصب يدل على الاستقبال.
يقولُ: بالضم يدل على الحال الماضي.
{لِلنَّاسِ}: اللام: لام الاختصاص. الناس: ارجع إلى الآية (٨) من سورة البقرة؛ للبيان.
{كُونُوا عِبَادًا لِّى مِنْ دُونِ اللَّهِ}: أي: اتخذوني إلهاً أو رباً. من دون الله: أي: من غير الله. لي: اللام: للاختصاص، والياء: ياء المتكلم.
{وَلَكِنْ كُونُوا رَبَّانِيِّنَ بِمَا كُنتُمْ تُعَلِّمُونَ الْكِتَابَ وَبِمَا كُنتُمْ تَدْرُسُونَ}: ولكن: حرف استدراك وتوكيد؛ أي: فلا يقول للناس: كونوا عباداً لي من دون الله، ولكن يقول للناس: كونوا ربانيين.
{كُونُوا رَبَّانِيِّنَ}: بدلاً من القول كونوا عباداً لله كونوا ربانيين جمع رباني منسوب إلى الرب ليكون المعنى أشد إخلاصاً للرب، ورباني، وهو العالم الفقيه بالدِّين، المتصف بالعبادة، والطاعة، والحكمة، والحلم، والعمل الصالح وغيرها، ورباني: مشتقة من مرب: وهو الذي يُعلّم الناس أمور دينهم، ويعلمهم الخير، والصلاح، فيصبح كالمربي.
وكلمة رباني: فيها نسب؛ أي: منسوب إلى الرب؛ لكثرة عبادته، ووسع علمه، وفقهه في الدِّين، فالرباني: هو المتمسك بطاعة الله تعالى عن علم ودراسة، وعظيم الخُلق، ومربي للناس.
{بِمَا}: الباء: للإلصاق، ما: مصدرية.
{كُنتُمْ تُعَلِّمُونَ الْكِتَابَ}: تعلمون الناس أمور دينهم وتعلمونهم الكتاب المنزل عليهم، وتكونون قدوة لهم في الطاعة والاستقامة، والعمل الصالح.
{وَبِمَا}: وتكرار بما تفيد التوكيد، وفصل كل من الأمرين على حدة تعليم الناس (لفائدة الناس) تدرسون (لتعليم أنفسكم).
{تَدْرُسُونَ}: تدبرون، وتقرؤون، وتفهمون الكتاب ومعانيه، وتدرسون الأحكام، والفقه، وتعليم الكتاب للناس، ودراسته توجب الطاعة التامة، والقدوة الحسنة؛ كي تنالوا درجة الربانية.
وهذه الآية تشير إلى أهمية تعلم كتاب الله ودراسته، ودراسة الفقه والشريعة والعمل بها، وأنه لا بد من تعليم الناس أمور دينهم، ونشر الدِّين والدعوة إلى الله؛ للتقرب منه سبحانه وتعالى.