{طُغْيَانًا وَكُفْرًا}: أي: يحملهما على الكفر، والضّلال مما يؤدي في النّهاية إلى هلاكهما لو بقي الغلام حياً؛ فالله سبحانه اطلع العبد الصّالح على سر ذلك الغلام، وما سيحدث بأبويه في المستقبل لو بقي الغلام حياً، الأمر الّذي يؤدي إلى هلاك الأبوين، والابن معاً، ولذلك أمر الله سبحانه العبد الصّالح بقتل الغلام قبل سن البلوغ الأمر الّذي يؤدي إلى نجاته من النّار، وبالتالي نجاة أبويه من النّار؛ فالكلّ ينجو؛ فكل من يموت، أو يقتل قبل سن البلوغ مصيره الجنّة، فقتل الغلام كان الهدف منه إدخاله الجنّة، ولو قتله في ظاهر الأمر كان أمراً مروعاً، وغير مقبولاً بأي عرف من الأعراف.
انظر حين خرق السّفينة نسب الفعل إلى نفسه، وكذلك حين قتل الغلام قال فقتله؛ لأنّ فعل القتل تم على يدي العبد الصّالح، ولما أقام الجدار كذلك قال فأقامه، ولكنه لما ذكر الإرادة؛ فقد نسبها في خرق السّفينة إلى نفسه قال: فأردت أن أعيبها، ولما ذكر قتل الغلام قال: فأردنا أن يبدلهما، ولما ذكر إقامة الجدار قال: فأراد ربك.
وذلك لأنّ إبدال الغلام بخير منه لا يمكن أن يتم إلا بالله؛ لأنّها عملية تتطلب خلق (إبدال)، والعبد الصّالح كان وسيلة فقط في القتل؛ فالقتل يتم على يد العبد الصّالح؛ أي: لم ينسب الشر إلى الله تأدباً مع الله سبحانه ونسبه إلى نفسه، والإبدال بخير منه زكاة وأقرب رحما يتم من الله سبحانه، ولذلك قال فأردنا. أمّا في قوله: فأراد ربك أن يبلغا أشدهما ويستخرجا كنزهما: فهذا أمر يختص به الله وحده سبحانه، وهو كلّه خير نسبة إلى الله تعالى، وأمّا في قوله: فأردت أن أعيبها هذا أمرٌ أمرَ به الله العبد الصّالح، ولكن العبد الصّالح قال: فأردت أن أعيبها؛ لكي لا ينسب العيب إلى الله سبحانه تأدباً مع الله تعالى نسبه إلى نفسه.