للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

مسار الصفحة الحالية:

سورة الشورى [٤٢: ١٣]

{شَرَعَ لَكُمْ مِنَ الدِّينِ مَا وَصَّى بِهِ نُوحًا وَالَّذِى أَوْحَيْنَا إِلَيْكَ وَمَا وَصَّيْنَا بِهِ إِبْرَاهِيمَ وَمُوسَى وَعِيسَى أَنْ أَقِيمُوا الدِّينَ وَلَا تَتَفَرَّقُوا فِيهِ كَبُرَ عَلَى الْمُشْرِكِينَ مَا تَدْعُوهُمْ إِلَيْهِ اللَّهُ يَجْتَبِى إِلَيْهِ مَنْ يَشَاءُ وَيَهْدِى إِلَيْهِ مَنْ يُنِيبُ}:

{شَرَعَ لَكُمْ مِنَ الدِّينِ مَا وَصَّى بِهِ نُوحًا وَالَّذِى أَوْحَيْنَا إِلَيْكَ}:

شرع: أوضح وأظهر الحق من الباطل، أو أوجب، لكم: اللام لام الاختصاص لكم خاصة، من الدّين؛ الدّين: يعني الإسلام، والدين: هو الطاعة والانقياد والشريعة والعقيدة، ويعني: الجزاء والحساب والخضوع وحكم الله وقضاؤه. ارجع إلى سورة البقرة الآية (١٣٢) لمزيد من البيان في معنى الدين والملة، ما وصّينا به نوحاً والّذي أوحينا إليك وما وصينا به إبراهيم وموسى وعيسى، استعمل (ما) واستعمل (الّذي) فما الفرق بينهما: ما تستعمل للشيء غير المحدد والأكثر شمولاً كالتوراة التي حرفت أو ما وصى به نوحاً وهو غير معروف، وكذلك ما وصينا به إبراهيم وموسى وعيسى غير محدد وأكثر شمولاً، والّذي تستعمل للشيء المحدد المعروف؛ أي: القرآن وتختصّ المفرد المذكر، بينما ما تستعمل للمفرد والمثنى والجمع والمذكر والمؤنث، استعمل (ما) لما وصى به نوحاً واستعمل (الذي) أوحينا إليك: الخطاب إلى محمّد صلى الله عليه وسلم؛ ويعني القرآن والتّكاليف والتّعاليم، ارجع إلى سورة النّساء آية (١٦٣) لمعرفة معنى: أوحينا إليك.

{وَمَا وَصَّيْنَا بِهِ إِبْرَاهِيمَ وَمُوسَى وَعِيسَى أَنْ أَقِيمُوا}: وما وصينا به إبراهيم وموسى وعيسى أن أقيموا الدين؛ أن: مصدرية تفيد التّعليل والتّوكيد، والوصية هي: أن أقيموا الدّين، ولم يقل وأقيموا الأديان؛ لأنّ كلّ الرّسل والأنبياء لهم دين واحد وهو الإسلام، وإقامة الدّين تعني: تطبيق أحكامه وامتثال أوامره وتجنب نواهيه. ارجع إلى سورة النساء آية (١١) لبيان معنى وصينا. فالدين واحد، ولكن {لِكُلٍّ جَعَلْنَا مِنكُمْ شِرْعَةً وَمِنْهَاجًا} [المائدة: ٤٨].

{وَلَا تَتَفَرَّقُوا فِيهِ}: لا تنقسموا إلى مذاهب وشيعٍ وطرائق، ولم يقل ولا تفرقوا، وإنما تتفرقوا: إضافة التّاء؛ لتدل على الكثرة، كثرة الأمم المخاطبة مثل أمة محمّد وإبراهيم وموسى وعيسى ونوح مقارنة بقوله تعالى: {وَاعْتَصِمُوا بِحَبْلِ اللَّهِ جَمِيعًا وَلَا تَفَرَّقُوا} [آل عمران: ١٠٣] عندما خاطب أمة محمد -صلى الله عليه وسلم- وحدها، ولكونها جزء من الأمم الأخرى ومن أصغرها.

{كَبُرَ عَلَى الْمُشْرِكِينَ مَا تَدْعُوهُمْ إِلَيْهِ}: أي شقّ وعظم على المشركين ما تدعوهم إليه من التّوحيد وإقامة الدّين وترك عبادة الأصنام والإيمان بالبعث والحساب والجزاء.

{اللَّهُ يَجْتَبِى إِلَيْهِ مَنْ يَشَاءُ}: يجتبي: يصطفي إليه من يشاء من عباده من اختار لنفسه طريق الطاعة والإيمان.

{وَيَهْدِى إِلَيْهِ مَنْ يُنِيبُ}: الإنابة سرعة الرّجوع إلى الله والتّوبة؛ أي يوفّق من يشاء بالرّجوع إليه والتّوبة.