للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

مسار الصفحة الحالية:

سورة الحديد [٥٧: ٢١]

{سَابِقُوا إِلَى مَغْفِرَةٍ مِنْ رَّبِّكُمْ وَجَنَّةٍ عَرْضُهَا كَعَرْضِ السَّمَاءِ وَالْأَرْضِ أُعِدَّتْ لِلَّذِينَ آمَنُوا بِاللَّهِ وَرُسُلِهِ ذَلِكَ فَضْلُ اللَّهِ يُؤْتِيهِ مَنْ يَشَاءُ وَاللَّهُ ذُو الْفَضْلِ الْعَظِيمِ}:

{سَابِقُوا إِلَى مَغْفِرَةٍ مِنْ رَّبِّكُمْ وَجَنَّةٍ}: أي بدلاً وأفضل لكم من التّسابق إلى الدّنيا ولعبها ولهوها وزينتها وتفاخرها، وما فيها من أموال وأولاد: أن تتسابقوا إلى مغفرة من ربكم وجنته, فهذا هو التّسابق الحقيقي والأفضل والدّائم, والتّسابق عادة يحتاج إلى أكثر من واحد أو فرد، فلابدّ من اثنين أو أكثر, وهناك فرق بين سابقوا وسارعوا، كما ورد في سورة آل عمران الآية (١٣٣)، ارجع إلى آية آل عمران للبيان.

{وَجَنَّةٍ عَرْضُهَا كَعَرْضِ السَّمَاءِ وَالْأَرْضِ}: وفي آية آل عمران (١٣٣) قال تعالى: {عَرْضُهَا السَّمَاوَاتُ وَالْأَرْضُ} ففي آية الحديد استعمل كاف التّشبيه (عرضها كعرض السّماء والأرض) وتعريف السّماء: هي كلّ ما عَلاك، فالسّماء تشمل السموات السّبع وغيرها.

وقوله: كعَرض وليس عرض السّماء والأرض؛ تعني الإطلاق؛ أي: بلا تحديد، فقوله: (كعرض السّماء والأرض)؛ أي: أكبر وأوسع وأشمل من عرضها السموات والأرض, هذا بالنّسبة للعرض فما بالك بالطّول! فلم يحدّده أبداً, إذن الجنة غير منتهية وغير محدودة.

{أُعِدَّتْ لِلَّذِينَ آمَنُوا بِاللَّهِ وَرُسُلِهِ}: بينما في آية آل عمران (أعدّت للمتقين), للذين: اللام لام الاختصاص والاستحقاق, للمتقين: اللام لام الاختصاص والاستحقاق أيضاً, ففي آية الحديد (للذين آمنوا بالله ورسله) وهم أكثر عدداً من المتقين؛ ولذلك ناسبهم (جنة عرضها كعرض السّماء والأرض), وأمّا المتقين فهم أقل عدداً من الذين آمنوا بالله ورسله فناسبهم (جنة عرضها السماوات والأرض) أي: الأقل سَعة من جنة عرضها كعرض السّماء والأرض.

{ذَلِكَ فَضْلُ اللَّهِ يُؤْتِيهِ مَنْ يَشَاءُ}: ذلك اسم إشارة واللام للبعد، يشير إلى المغفرة ودخول الجنة, فضل الله: الفضل هو الزّيادة على ما يستحق العبد من الأجر وما يتفضل به الله سبحانه من غير سبب يوجبه أو يقدّمه العبد, يؤتيه: من الإيتاء: وهو العطاء، وهناك فرق بين الإيتاء والعطاء، ارجع إلى سورة البقرة الآية (٢٥١) للبيان. من يشاء: من ابتدائية، وهو ذو الفضل المطلق يعطيه من يشاء من عباده، وأعظم الفضل هو فضل النبوة والتقوى والعلم والخير بكل أشكاله.

{وَاللَّهُ ذُو الْفَضْلِ الْعَظِيمِ}: والله واسع الفضل والإحسان، فالملك ملكه والخلق خلقه، وكما قال تعالى: {لَهُ الْخَلْقُ وَالْأَمْرُ} [الأعراف: ٥٤].