سورة البقرة [٢: ٢]
{ذَلِكَ الْكِتَابُ لَا رَيْبَ فِيهِ هُدًى لِّلْمُتَّقِينَ}:
{ذَلِكَ}: ذا؛ اسم إشارة، واللام؛ للبعد، والكاف؛ للخطاب.
اسم إشارة؛ يُشير إلى بعد منزلة الكتاب، وعلو شأنه.
{ذَلِكَ الْكِتَابُ}: أي: القرآن المكتوب في اللوح المحفوظ، والكتاب هو جزء من المكتوب في اللوح المحفوظ، ويسمى الكتاب؛ لكونه مكتوباً في السطور، وفي اللوح المحفوظ، والكتاب؛ يسمى القرآن؛ لكونه مقروءاً، ومن القراءة، ولكي يقرأ، يجب أن يكون قريباً، ولذلك نجد أنه يستعمل مع كلمة القرآن اسم الإشارة هذا؛ الذي يدل على القرب، في ١٥ آية في القرآن.
كقوله تعالى: {إِنَّ هَذَا الْقُرْآنَ يَهْدِى لِلَّتِى هِىَ أَقْوَمُ} [الإسراء: ٩].
{وَأُوحِىَ إِلَىَّ هَذَا الْقُرْآنُ} [الأنعام: ١٩].
{وَمَا كَانَ هَذَا الْقُرْآنُ أَنْ يُفْتَرَى} [يونس: ٣٧].
{ذَلِكَ الْكِتَابُ}: جاء بأل التعريف؛ للدلالة على الكمال؛ أي: الكتاب الكامل، التام. وقد تعني كلمة الكتاب: أحياناً التّوراة، والإنجيل، والزبور؛ أي: الكتب السماوية الأخرى، كقوله سبحانه: {وَالْكِتَابِ الَّذِى نَزَّلَ عَلَى رَسُولِهِ وَالْكِتَابِ الَّذِى أَنْزَلَ مِنْ قَبْلُ} [النّساء: ١٣٦].
وكلمة الكتاب؛ لها معان أخرى، سنراها في آيات أخرى، وله أسماء كثيرة؛ منها: الفرقان، الروح، الذكر، النور، البرهان، موعظة وشفاء، بصائر.
{لَا رَيْبَ فِيهِ}: لا: النّافية للجنس، تنفي كل الأزمنة؛ الماضي والحاضر، والمستقبل، تنفي عن القرآن الريب، في الماضي، والحاضر، والمستقبل.
والريب: مصدر راب، يريب، وجاءت نكرة، (ولم يقل الريب) لتشمل نفي كل أنواع الريب، والقليل، والكثير.
وتعريف الريب؛ هو الشك، مع التهمة، والشك؛ تعريفه هو تساوي طرفي النفي، والإثبات، والريب أعم من الشك، فالكفار، والمشركون، كانوا يشكون في القرآن، أنه منزل من عند الله.
وكانوا يتَّهمون رسول الله -صلى الله عليه وسلم-، بأنه افتراه، أو أنه إفك، وأساطير الأولين، اكتتبها، فهي تملى عليه بكرة وأصيلاً.
وانتبه إلى تقديم كلمة الريب على كلمة فيه، للدلالة على التّوكيد، توكيد النفي، نفي الريب عن القرآن، وكذلك نفي الريب، عن سائر الكتب السماوية الأخرى، كونها منزلة من عند الله -جل وعلا- .
{هُدًى لِّلْمُتَّقِينَ}: أي: مصدر هداية، أو هو الهدى، والهادي للحق، والهادي إلى الصّراط المستقيم، والغاية، وهي السعادة، والكمال في الدارين.
{لِّلْمُتَّقِينَ}: اللام في المتقين، لام الاختصاص، والمتقين؛ جمع متق، والمتقي اسم فاعل، من اتقى. والتقوى: هي طاعة أوامر الله وتجنب نواهيه الّتي تقي من النار. ومن سخطه وغضبه.
وكما هو هدى للمتقين، هو هدى للناس، وللمسلمين، وللمؤمنين، وللمحسنين، فهو هدى للجميع، والكل بحاجة إلى هذا، كما قال تعالى في سورة البقرة آية ١٨٥: {شَهْرُ رَمَضَانَ الَّذِى أُنْزِلَ فِيهِ الْقُرْآنُ هُدًى لِلنَّاسِ}، وفي سورة النحل آية ١٠٢: {قُلْ نَزَّلَهُ رُوحُ الْقُدُسِ مِنْ رَبِّكَ بِالْحَقِّ لِيُثَبِّتَ الَّذِينَ آمَنُوا وَهُدًى وَبُشْرَى لِلْمُسْلِمِينَ}.
وفي سورة النمل الآية (٢): {هُدًى وَبُشْرَى لِلْمُؤْمِنِينَ}.
وفي سورة لقمان الآية (٣): {هُدًى وَرَحْمَةً لِّلْمُحْسِنِينَ}.
وهل المتقون بحاجة إلى هداية؟
الجواب: نعم. كي يرتقوا لدرجة الإحسان، ومن بعدها لدرجة إسلام الوجه، كقوله سبحانه: {وَمَنْ أَحْسَنُ دِينًا مِّمَّنْ أَسْلَمَ وَجْهَهُ لِلَّهِ وَهُوَ مُحْسِنٌ} [النّساء: ١٢٥]، {وَيَزِيدُ اللَّهُ الَّذِينَ اهْتَدَوْا هُدًى} [مريم: ٧٦].
{هُدًى لِّلْمُتَّقِينَ}: أي: ما جاء به، من أحكام، وتعاليم، وأوامر، ونواهٍ، وقصص، ومواعظ وأمثلة، ووعد، ووعيد، وحلال، وحرام كلها هدى للمتقين، ولهؤلاء المتقين ست صفات: