سورة آل عمران [٣: ١٨٤]
{فَإِنْ كَذَّبُوكَ فَقَدْ كُذِّبَ رُسُلٌ مِنْ قَبْلِكَ جَاءُوا بِالْبَيِّنَاتِ وَالزُّبُرِ وَالْكِتَابِ الْمُنِيرِ}:
{فَإِنْ}: الفاء: عاطفة، إن: شرطية تدل على قلة الحدوث، أو ندرته.
{كَذَّبُوكَ}: بعد مجيئهم بكل هذه البينات والمعجزات والآيات.
{فَقَدْ كُذِّبَ رُسُلٌ مِنْ قَبْلِكَ}: هذا نوع من التخفيف عن رسول الله -صلى الله عليه وسلم-.
كذبوك: فعل ماضٍ، ولم يقل: فإن يكذبوك بالمضارع التي تدل على الاستمرار، والتجدد، أو تعدد حالات التكذيب. كذبوك في الماضي في حادثة ما وانتهى الأمر.
فقد: الفاء: رابطة لجواب الشرط، قد: للتحقيق والتوكيد.
كُذب رسل من قبلك؛ أي: جاؤوا من قبلك وكذبهم أقوامهم.
{جَاءُوا بِالْبَيِّنَاتِ}: المعجزات، والدلائل، والبراهين على نبوتهم وصدقهم.
{وَالزُّبُرِ}: جمع زبور، وهو كل كتاب ذو حكمة، وسمي زبوراً؛ لأنه يزبر؛ أي: يزجر عن الباطل، يدعو إلى الحق (الزبر: الزجر). ارجع إلى سورة النساء، آية (١٦٣)؛ لمزيد من البيان.
{وَالْكِتَابِ الْمُنِيرِ}: الواضح الجلي بالأحكام والشرائع مثل التوراة، والإنجيل، والقرآن.
١ - لنقارن هذه الآية من سورة آل عمران: {فَإِنْ كَذَّبُوكَ} مع الآية (٣٣) من سورة الأنعام قوله تعالى: {فَإِنَّهُمْ لَا يُكَذِّبُونَكَ وَلَكِنَّ الظَّالِمِينَ بِآيَاتِ اللَّهِ يَجْحَدُونَ}، أو كيف نجمع بين الآيتين؛ فإن كذبوك، فإنهم لا يكذبونك؟
فإن كذبوك: بصيغة الماضي تدل على المشركين كذبوا رسول الله في حادثة ما، وانتهى الأمر. أو كذبوا بآية من آيات الله تعالى.
فإن كذبوك في الظاهر والعلن أمام الناس ليصدوا الناس عن اتباعك والدخول في الإسلام.
فإنهم لا يكذبونك: أي: في باطن أنفسهم (لا يكذبونك لأنك في أعينهم الصادق الأمين) أما في العلن، وأمام الناس؛ فإنهم يكذبونك.
وإن تكذيبهم لك في العلن، وأمام الناس سوف يتجدَّد، ويتكرَّر، ولن ينتهيَ، ولذلك جاء بصيغة المضارع، وفي نفس الوقت سوف يتجدَّد ويتكرَّر شعورهم بأنك الصادق الأمين.
٢ - لنقارن هذه الآية من سورة آل عمران، مع آية (٢٥) من سورة فاطر:
آية آل عمران: {جَاءُوا بِالْبَيِّنَاتِ وَالزُّبُرِ وَالْكِتَابِ الْمُنِيرِ}.
آية فاطر: {جَاءَتْهُمْ رُسُلُهُمْ بِالْبَيِّنَاتِ وَبِالزُّبُرِ وَبِالْكِتَابِ الْمُنِيرِ}.
في آية فاطر جاء بـ (٣) باءات في آل عمران بباء واحدة.
تكرار الباء يفيد التوكيد؛ فهو أكد ثلاث مرات في فاطر؛ لأن المقام، أو السياق في فاطر هو في مقام الإنذار، والتبليغ، والدعوة، واستمرار تكذيبهم، (كما رأينا في قوله: يكذبوك)، وعظم الإنذار بينما السياق في آل عمران جاء في سياق اليهود الذين يمارون في الباطل، ويطلبون من الرسول أن يأتيهم بقربان تأكله النار، فالمقام أقل شدة.
٣ - لنقارن هذه الآية من آل عمران بالآية (٤٢) من سورة الحج:
آية آل عمران: {فَإِنْ كَذَّبُوكَ فَقَدْ كُذِّبَ رُسُلٌ مِنْ قَبْلِكَ}.
آية الحج: {وَإِنْ يُكَذِّبُوكَ فَقَدْ كَذَّبَتْ قَبْلَهُمْ قَوْمُ نُوحٍ وَعَادٌ وَثَمُودُ}.
في آل عمران: فقد كذب رسل من قبلك؛ أي: واحداً واحداً كل رسول في زمانه كُذِّب، أو ناس كذبوا به، وناس لم يكذبوا.
أما آية سورة الحج: فقوم نوح، أو عاد، أو ثمود؛ فإنهم كذبوا مجموعة من الرسل الذين جاؤوا قبلهم دفعة واحدة كذبوا بجميع الرسل.
٤ - ما هو الفرق بين كُذب وكذبت:
كُذب: تدل على القلة.
كذبت: تدل على الكثرة؛ أي: كثرة الرسل الذين كُذِّبوا.