سورة المنافقون [٦٣: ١]
[سورة المنافقون]
ترتيبها في القرآن (٦٣) ترتيبها في النّزول (١٠٤).
{إِذَا جَاءَكَ الْمُنَافِقُونَ قَالُوا نَشْهَدُ إِنَّكَ لَرَسُولُ اللَّهِ وَاللَّهُ يَعْلَمُ إِنَّكَ لَرَسُولُهُ وَاللَّهُ يَشْهَدُ إِنَّ الْمُنَافِقِينَ لَكَاذِبُونَ}:
{إِذَا}: ظرفية شرطية تفيد حتمية الحدوث.
{جَاءَكَ}: من المجيء، والمجيء فيه الصعوبة والمشقة؛ لأنهم يأتون بغير رغبة؛ أي: وهم كارهون، أو يخافون أن يظهر نفاقهم أمام الناس بعكس الإتيان فيه معنى السّهولة؛ أي: الحضور بسهولة.
{الْمُنَافِقُونَ}: جمع منافق، والمنافق هو من يظهر الإسلام والإيمان ويبطن الكفر، فقلبه لا يوافق لسانه، وكلمة منافق مشتقة من نفق اليربوع وهو حيوان يشبه الفأر ويسكن في الصحراء ويحفر لنفسه نفقاً في الأرض له بابان أو أكثر إن ترصّده عند أحدهما يخرج من الثاني، كالمنافق له وجهان.
{قَالُوا نَشْهَدُ إِنَّكَ لَرَسُولُ اللَّهِ}: قالوا: بألسنتهم فقط وتأبى قلوبهم تصديق ذلك، واللام في كلمة (لرسول الله) تفيد التّوكيد.
{وَاللَّهُ يَعْلَمُ إِنَّكَ لَرَسُولُهُ}: ولم يقل والله يشهد إنك لرسوله، فما هو الفرق بين يعلم ويشهد؟ الذي يشهد يعلم فهو لا يشهد إذا لم يعلم (فهو حاضر ويعلم ما يحدث)، والذي يعلم ليس بالضروري أن يكون شهيداً (حاضراً) فهو يعلم بدون حضور بأن يخبره غيره.
{وَاللَّهُ يَشْهَدُ إِنَّ الْمُنَافِقِينَ لَكَاذِبُونَ}: إنّ للتوكيد، واللام في (لكاذبون) لزيادة التوكيد، وفي هذه الآية تساؤلان:
السؤال الأول: ما غاية إدخال جملة (والله يعلم إنك لرسوله)؟ الجواب: لو حذف هذا الجزء من الآية وقال تعالى: إذا جاءك المنافقون قالوا نشهد إنك لرسول، والله يشهد إن المنافقين لكاذبون: لكان ظاهر القول أن المنافقين يشهدون إنك لرسول الله، والله سبحانه لا يشهد بذلك، وحاشا لله ذلك.
السؤال الثاني: متى يستعمل كلمة يشهد ومتى يستعمل كلمة يعلم؟ إذا كان الأمر المطروح يعلمه المؤمنون والله يعلمه، عندئذ يستعمل يشهد فالله يشهد على الكلّ, وأما إذا كان الأمر المطروح عملاً قلبيّاً كالنفاق والإسرار عندئذ يعلمه الله وحده فقط ولا يعلمه المؤمنون، فيستعمل يعلم.
مثال: {وَسَيَحْلِفُونَ بِاللَّهِ لَوِ اسْتَطَعْنَا لَخَرَجْنَا مَعَكُمْ يُهْلِكُونَ أَنفُسَهُمْ وَاللَّهُ يَعْلَمُ إِنَّهُمْ لَكَاذِبُونَ} سورة التوبة الآية [التوبة: ٤٢] هذا عمل قلبي لا يعلمه إلا الله فقال: يعلم، {وَالَّذِينَ اتَّخَذُوا مَسْجِدًا ضِرَارًا وَكُفْرًا وَتَفْرِيقًا بَيْنَ الْمُؤْمِنِينَ وَإِرْصَادًا لِّمَنْ حَارَبَ اللَّهَ وَرَسُولَهُ مِنْ قَبْلُ وَلَيَحْلِفُنَّ إِنْ أَرَدْنَا إِلَّا الْحُسْنَى وَاللَّهُ يَشْهَدُ إِنَّهُمْ لَكَاذِبُونَ} سورة التوبة الآية [التوبة: ١٠٧] هذا الحلف (ليحلفن) حدث أمامهم ويعلمونه والله يعلم ذلك ولذلك استعمل: يشهد.