سورة النساء [٤: ٦٤]
{وَمَا أَرْسَلْنَا مِنْ رَسُولٍ إِلَّا لِيُطَاعَ بِإِذْنِ اللَّهِ وَلَوْ أَنَّهُمْ إِذْ ظَّلَمُوا أَنفُسَهُمْ جَاءُوكَ فَاسْتَغْفَرُوا اللَّهَ وَاسْتَغْفَرَ لَهُمُ الرَّسُولُ لَوَجَدُوا اللَّهَ تَوَّابًا رَحِيمًا}:
{وَمَا}: الواو: استئنافية، وما: نافية.
{أَرْسَلْنَا}: بمعنى الإرسال برسالة، وليس فيه مشقة وشدة، كما في البعث، وهناك فرق بين الإرسال والبعث، البعث: يكون لإحياء منهج ثانٍ كان موجوداً، ولم يعد يُذكر، فالله سبحانه يبعث رسولاً لإحياء من جاء قبله من الرسل، ولا يأتي بشيء جديد، والبعث فيه إثارة وتهييج، وفيه مشقة وصعوبة. ارجع إلى سورة البقرة، آية (١١٩)؛ لمعرفة الفرق بين الإرسال والبعث.
{مِنْ رَسُولٍ}: من: الاستغراقية، والتقدير: وما أرسلنا رسولاً إلا ليطاع.
{مِنْ}: تستعمل للمفرد والجمع.
{إِلَّا}: أداة حصر.
{لِيُطَاعَ}: اللام: لام التعليل والتوكيد؛ لأن طاعة الرسول هي طاعة لله، ومعصية الرسول هي معصية لله: {مَنْ يُطِعِ الرَّسُولَ فَقَدْ أَطَاعَ اللَّهَ} [النساء: ٨٠]، (ومن يعص الرسول فقد عصى الله)، فالله سبحانه سيهيِّئ لهذا الرسول من يصدِّقه من البشر، ويتبعه، ولا يحدث ذلك إلا بإذن الله، بأمر من الله، والإذن: يبدأ، أو يُعلم بإنزال الوحي.
{وَلَوْ أَنَّهُمْ إِذْ ظَّلَمُوا أَنفُسَهُمْ جَاءُوكَ فَاسْتَغْفَرُوا اللَّهَ وَاسْتَغْفَرَ لَهُمُ الرَّسُولُ لَوَجَدُوا اللَّهَ تَوَّابًا رَحِيمًا}:
{وَلَوْ}: الواو: عاطفة. لو: شرطية تحمل معنى التمني.
{أَنَّهُمْ}: للتوكيد، وتشير إلى المتحاكمين الذين سبق ذكرهما، أو تعني: كل من يظلم نفسه، وظلم النفس يأتي من اتباع الهوى، والرغبة في الشهوة العاجلة.
{إِذْ}: ظرف للزمن الماضي بمعنى: حين.
{ظَّلَمُوا أَنفُسَهُمْ}: بالخروج عن المنهج الرباني.
١ - بالتحاكم إلى الطاغوت، والإعراض عن التحاكم إلى رسول الله -صلى الله عليه وسلم-.
٢ - أو رفضهم لما قضى الرسول -صلى الله عليه وسلم- به وترك طاعتك.
٣ - أو اتباع الهوى، وارتكاب المعاصي، أو الفاحشة، والرغبة في تحقيق الشهرة العاجلة، وظلم النفس من أشقى أنواع الظلم.
{جَاءُوكَ فَاسْتَغْفَرُوا اللَّهَ وَاسْتَغْفَرَ لَهُمُ الرَّسُولُ}:
{جَاءُوكَ}: (المرحلة الأولى) كلمة {جَاءُوكَ}: تحمل معنى المشقة والصعوبة؛ لأنهم يرغمون أنفسهم على المجيء، لم يقل: أتوك؛ لأنها تحمل معنى الارتياح للمجيء.
{فَاسْتَغْفَرُوا اللَّهَ}: (هذه هي المرحلة الثانية)، الفاء: تدل على السرعة والمباشرة، بأن يقولوا: اللهم اغفر لنا، أو نستغفر الله، والاستغفار يدل على وقوع الذنب ويطلب من الله أن يغفره، ويمحوه، فلا عقاب عليه؛ أيْ: يستغفرون الله عند رسول الله؛ أيْ: أمامه، ثم يسألون رسول الله -صلى الله عليه وسلم- أن يستغفر لهم.
{وَاسْتَغْفَرَ لَهُمُ الرَّسُولُ}: (هذه هي المرحلة الثالثة)، عندها تقبل توبتهم، والاستغفار يكون قبل التوبة، أو يسبق التوبة.
{لَوَجَدُوا اللَّهَ تَوَّابًا رَحِيمًا}: أيْ: لتاب الله عليهم.
{تَوَّابًا}: صيغة مبالغة، كثير التوبة؛ أيْ: يقبل التوبة عن عباده بشكل مستمر ودائم، ومهما كانت ذنوبهم، أو عددها، أو عدد المستغفرين.
{رَحِيمًا}: لا يعذبهم ويعفو عنهم، أو يعجل بهم العذاب.
وهذه الآية تشير لمن عاصر رسول الله -صلى الله عليه وسلم-، فما بال الذين لم يعاصروه، والرسول -صلى الله عليه وسلم- جاء للناس جميعاً، فقد قال رسول الله -صلى الله عليه وسلم-: «تُعرَض عليَّ أعمالُكم فإن رأَيْتُ خيراً حمِدْتُ اللهَ عليه، وإن رأَيْتُ من شرٍّ استغفَرْتُ اللهَ لكم» [الراوي عبد الله بن مسعود، المحدث: الهيثمي، المصدر: مجمع الزوائد: ٩/ ٢٧].
إذن: فاستغفار رسول الله -صلى الله عليه وسلم- لنا الآن موجود، ودائم، فما علينا إلا أن نستغفر الله دائماً، وكيف نفسر كلمة جاؤوك لمن جاء من بعد موته -صلى الله عليه وسلم-؟
هؤلاء يجيئون لسُنَّتك، والعمل بها، فإنها تعادل المجيء إلى رسول الله -صلى الله عليه وسلم- آنذاك، وما علينا إلا أن نتقبَّل ما جاء به نبيُّنا محمد -صلى الله عليه وسلم-، ونتَّبع هداه آنذاك.