للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

مسار الصفحة الحالية:

سورة الأنعام [٦: ١٦٥]

{وَهُوَ الَّذِى جَعَلَكُمْ خَلَائِفَ الْأَرْضِ وَرَفَعَ بَعْضَكُمْ فَوْقَ بَعْضٍ دَرَجَاتٍ لِّيَبْلُوَكُمْ فِى مَا آتَاكُمْ إِنَّ رَبَّكَ سَرِيعُ الْعِقَابِ وَإِنَّهُ لَغَفُورٌ رَّحِيمٌ}:

الخطاب إلى أمة محمد -صلى الله عليه وسلم-.

{وَهُوَ}: الواو: استئنافية، هو: ضمير منفصل؛ يفيد التوكيد، والحصر، تعود على الله -جل وعلا- .

{الَّذِى}: اسم موصول؛ يفيد التعظيم.

{جَعَلَكُمْ خَلَائِفَ الْأَرْضِ}: خلائف جمع خليفة (ارجع إلى سورة البقرة آية (٣٠) للبيان) وردت كلمة {خَلَائِفَ الْأَرْضِ} مرتين في القرآن، وخلائف في الأرض مرتين، ووردت كلمة خلفاء الأرض ثلاث مرات.

فنحن أمام ثلاثة فروق:

١ - خلائف الأرض: أعم وأشمل من قوله خلائف في الأرض، وتعني: العباد الصالحون المسلمون؛ كقوله تعالى: {وَلَقَدْ كَتَبْنَا فِى الزَّبُورِ مِنْ بَعْدِ الذِّكْرِ أَنَّ الْأَرْضَ يَرِثُهَا عِبَادِىَ الصَّالِحُونَ} [الأنبياء: ١٠٥].

٢ - خلائف في الأرض: تأتي في سياق الأقوام الكافرة الفاسدة؛ التي أهلكت بسبب أعمالها السيئة.

٣ - خلفاء في الأرض: أي: الحاكمون، أو الحكام، جمع خليفة: (ملوك، ورؤساء، وحكام للدول)؛ خلفاء على كرسي الحكم، أو العرش.

والآيات التي وردت فيها كلمة {خَلَائِفَ الْأَرْضِ} هي: {وَهُوَ الَّذِى جَعَلَكُمْ خَلَائِفَ الْأَرْضِ} [الأنعام: ١٦٥].

{فَكَذَّبُوهُ فَنَجَّيْنَاهُ وَمَنْ مَعَهُ فِى الْفُلْكِ وَجَعَلْنَاهُمْ خَلَائِفَ وَأَغْرَقْنَا الَّذِينَ كَذَّبُوا بِآيَاتِنَا} [يونس: ٧٣].

وأما الآيات التي وردت فيها كلمة: {خَلَائِفَ الْأَرْضِ} فهي: {ثُمَّ جَعَلْنَاكُمْ خَلَائِفَ فِى الْأَرْضِ مِنْ بَعْدِهِمْ لِنَنْظُرَ كَيْفَ تَعْمَلُونَ} [يونس: ٤٢].

{هُوَ الَّذِى جَعَلَكُمْ خَلَائِفَ فِى الْأَرْضِ} [فاطر: ٣٩].

وأما الآيات التي وردت فيها كلمة خلفاء؛ فهي: {وَاذْكُرُوا إِذْ جَعَلَكُمْ خُلَفَاءَ مِنْ بَعْدِ قَوْمِ نُوحٍ} [الأعراف: ٦٩].

{وَاذْكُرُوا إِذْ جَعَلَكُمْ خُلَفَاءَ مِنْ بَعْدِ عَادٍ} [الأعراف: ٧٤].

{أَمَّنْ يُجِيبُ الْمُضْطَرَّ إِذَا دَعَاهُ وَيَكْشِفُ السُّوءَ وَيَجْعَلُكُمْ خُلَفَاءَ الْأَرْضِ} [النمل: ٦٢].

{وَرَفَعَ بَعْضَكُمْ فَوْقَ بَعْضٍ دَرَجَاتٍ}:

{دَرَجَاتٍ}: قيل: في الرزق، والعلم، والقوة، والصحة، والخُلق، وغيرها، وقيل: درجات في الجنة، وقيل: درجات في التقوى، والإيمان.

وقد تشمل الكلَّ؛ أيْ: كلَّ ما سبق.

ولماذا الرفع؟ الرفع {لِّيَبْلُوَكُمْ فِى مَا آتَاكُمْ}: أو كما بيَّن في سورة الزخرف: {لِيَتَّخِذَ بَعْضُهُم بَعْضًا سُخْرِيًّا} [الزخرف: ٣٢].

ويجب أن لا نظن: أن البعض مرفوع، والبعض الآخر مرفوع عليه، فهذا ظنٌّ خاطئ، فما دام قد جاءت كلمة {بَعْضُهُم}: مبهمة؛ فإن كلَّ واحد منا مرفوع، ومرفوع عليه؛ أيْ: كلٌّ منا محتاج إلى الآخر في حياته، والآخر محتاج إلينا في حياته.

{لِّيَبْلُوَكُمْ فِى مَا آتَاكُمْ}: ليبلوكم: اللام: للتأكيد، والتعليل، فيما: في: ظرفية، ما: اسم موصول؛ بمعنى: الذي، أو مصدرية من الرزق، بالغنى، والفقر، بالشكر، أو الصبر، ومن الصحة، أو المرض، والعلم، والجهل، والقوة، والضعف، وغيرها.

{إِنَّ رَبَّكَ سَرِيعُ الْعِقَابِ وَإِنَّهُ لَغَفُورٌ رَّحِيمٌ}:

{إِنَّ}: للتوكيد.

{سَرِيعُ الْعِقَابِ}: والعقاب: هو الجزاء على الفعل؛ فالعقاب: يقع بعد، أو عقيب العمل.

{وَإِنَّهُ لَغَفُورٌ رَّحِيمٌ}: أكَّد هنا بإنَّ، واللام في كلمة {لَغَفُورٌ رَّحِيمٌ}.

غفور: صيغة مبالغة من غفر؛ أيْ: ستر، ورحيم: صيغة مبالغة. ارجع إلى سورة الفاتحة، الآية (٣)؛ لمزيد من البيان.

فهنا جاء التأكيد على كونه -جل وعلا- غفور رحيم؛ أشدُّ وأقوى من التوكيد على كونه سريع العقاب؛ ليبث الأمل في النفوس.

ولو قارنَّا هذه الآية (١٦٥) من سورة الأنعام: {إِنَّ رَبَّكَ سَرِيعُ الْعِقَابِ وَإِنَّهُ لَغَفُورٌ رَّحِيمٌ}: إذ تتحدث عن العقوبات في الآخرة، وأكَّد رحمته في الآخرة لعباده الصالحين بالقول: وإنه لغفور رحيم.

أما الآية (١٦٧) من سورة الأعراف: {إِنَّ رَبَّكَ لَسَرِيعُ الْعِقَابِ وَإِنَّهُ لَغَفُورٌ رَحِيمٌ}: فتتحدث عن العقوبات العاجلة في الدنيا لبني إسرائيل؛ إذ اتخذوا العجل، وقتلوا الأنبياء، واعتدوا في السبت؛ فناسب التأكيد بتعجيل العقوبات؛ فقال: {لَسَرِيعُ الْعِقَابِ}: أكَّد باللام، وإنَّ.

وقال: {لَغَفُورٌ رَّحِيمٌ}: أكَّد على كونه سريعَ العقاب، وأنه غفورٌ رحيمٌ؛ أيْ: كلاهما بنفس الدرجة.