سورة الأعراف [٧: ١٧١]
{وَإِذْ نَتَقْنَا الْجَبَلَ فَوْقَهُمْ كَأَنَّهُ ظُلَّةٌ وَظَنُّوا أَنَّهُ وَاقِعٌ بِهِمْ خُذُوا مَا آتَيْنَاكُم بِقُوَّةٍ وَاذْكُرُوا مَا فِيهِ لَعَلَّكُمْ تَتَّقُونَ}:
{وَإِذْ}: أيْ: واذكر حين، أو اذكر إذ نتقنا.
{نَتَقْنَا}: النتق: هو قلع الشيء من جذره، أو نزعه، أو خلعه من الأرض؛ بتحريكه يمنة ويسرة، وهزاً وجذباً.
{الْجَبَلَ}: ولم يقل: الطور؛ الجبل أعظم حجماً، وبناءً من الطور.
{فَوْقَهُمْ}: ظرف مكاني، وقدَّم الجبل على الظرف فوقهم: جرياً على الأصل، فهذا هو الأصل.
وفي آية (٦٣) من سورة البقرة، قال تعالى: {وَرَفَعْنَا فَوْقَكُمُ الطُّورَ}.
فإذا قارنا هاتين الآيتين: نجد في سورة البقرة، قال تعالى: {وَرَفَعْنَا}، ولم يقل: {نَتَقْنَا}: النتق: هو أشد، وأقوى من الرفع؛ لأن النتق: هو اقتلاع الشيء بشدة، فيه جذبٌ مع تحريك، والنتق يسبق الرفع.
وقال تعالى: {الطُّورَ}: وليس الجبل، وقدَّم فوقهم، لماذا هذا الاختلاف؟ لأن سورة الأعراف: جاءت في سياق الأقل إيماناً من بني إسرائيل، وفي سياق التقريع، والتهديد لهؤلاء الخلْف، ولذلك استعمل في الأعراف لفظ الجبل بدلاً من الطور، وكلمة النتق بدلاً من الرفع، وقدَّم لفظ الجبل عليهم.
بينما في سورة البقرة: جاءت في سياق الأكثر إيماناً من بني إسرائيل، وسياق التكريم، وسياق ذكر نعم الله عليهم، فاستعمل كلمة الرفع، والطور، وقدَّمهم على كلمة الطور.
{كَأَنَّهُ ظُلَّةٌ}: سحابة تظلّهم.
{وَظَنُّوا أَنَّهُ وَاقِعٌ بِهِمْ}: أيقنوا أنه ساقط، أو سيقع عليهم، إنذار لهم بوقوعه، والظن هنا: هو الظن الراجح؛ الذي تغلب، أو ترجح فيه كفة الإثبات على كفة النفي.
{خُذُوا مَا آتَيْنَاكُم بِقُوَّةٍ}: بجدٍّ، وقوة، وعزيمة؛ أيْ: نفِّذوا أحكام التوراة، أو خذوا التوراة بجدٍّ، وعزيمة، واعملوا بها، ولا تؤمنوا ببعض، وتكفروا ببعض.
{وَاذْكُرُوا مَا فِيهِ}: من الأوامر، والنواهي، والأحكام، ولا تنسوها، وبيِّنوها للناس.
{لَعَلَّكُمْ تَتَّقُونَ}: لعلَّ: للتعليل، تتقون وقوع الجبل فوقكم، والقضاء عليكم، وتتقون عذاب النار، وسخط الله تعالى، وغضبه عليكم.