للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

مسار الصفحة الحالية:

سورة النور [٢٤: ٥٥]

{وَعَدَ اللَّهُ الَّذِينَ آمَنُوا مِنكُمْ وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ لَيَسْتَخْلِفَنَّهُمْ فِى الْأَرْضِ كَمَا اسْتَخْلَفَ الَّذِينَ مِنْ قَبْلِهِمْ وَلَيُمَكِّنَنَّ لَهُمْ دِينَهُمُ الَّذِى ارْتَضَى لَهُمْ وَلَيُبَدِّلَنَّهُمْ مِنْ بَعْدِ خَوْفِهِمْ أَمْنًا يَعْبُدُونَنِى لَا يُشْرِكُونَ بِى شَيْـئًا وَمَنْ كَفَرَ بَعْدَ ذَلِكَ فَأُولَئِكَ هُمُ الْفَاسِقُونَ}:

{وَعَدَ اللَّهُ الَّذِينَ آمَنُوا مِنكُمْ}: الوعد في القرآن يعني: بشارة خير إذا أُطلق، بعكس الوعيد: يحمل معنى الإنذار والشر.

{مِنكُمْ وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ}: منكم أنتم أيّها المسلمون خاصة، (وعملوا الصّالحات) ثلاثة أمور:

١ - الاستخلاف في الأرض {لَيَسْتَخْلِفَنَّهُمْ فِى الْأَرْضِ}.

٢ - التمكين في الدين {وَلَيُمَكِّنَنَّ لَهُمْ دِينَهُمُ}.

٣ - ليبدلنهم من بعد خوفهم آمناً.

١ - الاستخلاف في الأرض: الاستخلاف من خلف: وله معانٍ عدّة: مجيء شيء بعد شيء ليقوم مقامه، وقد يعني العوض عن شيء فائت، وقد يعني النيابة عن الغير أو التصرف في ملك الغير.

والاستخلاف في الأرض يعني: يخلف بعضُكُم بعضاً؛ يعني: السكن في الأرض والتصرف وحسن التدبير وإقامة العدل وإصلاحها وإعمارها وعدم الفساد، ومن حق الخالق مالك الملك أن يبدل المستخلفين إذا خالفوا العهد أو الميثاق بالتولّي أو الإعراض عن العمل الصّالح والطاعة فيما أمر به، أو أمر به رسوله -صلى الله عليه وسلم- أو الفساد في الأرض بدلاً من إعمارها والعبث فيها…

والاستخلاف قرن بكلمة الأرض، فقال: (ليستخلفنهم في الأرض): وهذا يدل على أنه محدود في الأرض وأنه استخلاف مؤقت، فالإنسان زائل (ميت) والأرض نفسها سوف تزول وتبدَّل بأرض جديدة.

{كَمَا اسْتَخْلَفَ الَّذِينَ مِنْ قَبْلِهِمْ}: الكاف للتشبيه؛ أي: استخلاف جيل بعد جيل. والنون في كلمة (ليستخلفنهم) تفيد التّوكيد.

ارجع إلى سورة الأعراف آية (١٦٩) لمعرفة الفرق بين خَلْف وخَلَف.

٢ - {وَلَيُمَكِّنَنَّ لَهُمْ دِينَهُمُ الَّذِى ارْتَضَى لَهُمْ}: ليمكنن: اللام للتوكيد وكذلك النون في (يمكنن) لزيادة التّوكيد.

لهم: تقديم الجار والمجرور يفيد الحصر لهم خاصة.

دينهم الّذي ارتضى لهم: أي الإسلام كما قال الله تعالى: {وَرَضِيتُ لَكُمُ الْإِسْلَامَ دِينًا} [المائدة: ٣].

لهم: تعني أمة الإسلام خاصة.

والتمكين: يعني القدرة على إقامة شعائر الدين بغير خوف، والدعوة إلى الله والحرية وعدم القسر والإجبار والسلام..

٣ - {وَلَيُبَدِّلَنَّهُمْ مِنْ بَعْدِ خَوْفِهِمْ أَمْنًا}: أي يصبحوا في سلام وأمن واستقرار اقتصادي واجتماعي، وزوال أسباب الخوف فلا يخافوا غيرهم.

{يَعْبُدُونَنِى}: من العبادة: ارجع إلى الآية (١٠٦) من سورة الأنبياء والآية (٧٣) من سورة النّحل.

يعبدوني: بإخلاص ووحدانية, والمجيء: بياء المتكلم تدل على الاستمرار في العبادة بإخلاص لله تعالى ولا يتوقف ذلك.

{لَا يُشْرِكُونَ بِى شَيْـئًا}: لا النّافية، شيئاً: نكرة، مهما صغر أو كبر أو مهما كان نوع الشّرك الجلي أو الخفي كالرياء حذف الياء يدل على عدم السماح لهم بالشرك مهما كان نوعه وقدره بما في ذلك الرياء.

{وَمَنْ كَفَرَ بَعْدَ ذَلِكَ}: من شرطية، من كفر بعد نِعَم الاستخلاف والتّمكين والأمن وعدم الخوف. والكفر في اللغة: هو الستر، وفي الشرع: هو الخروج عن الملة. ارجع إلى سورة البقرة آية (٦) لمزيد من البيان.

{فَأُولَئِكَ}: الفاء للتوكيد، أولئك: اسم إشارة للبعد.

{هُمُ}: تفيد التّوكيد.

{الْفَاسِقُونَ}: الخارجون عن طاعة الله ورسوله. أو الدين، أو الّذين لا يستحقون أن يكونوا مستخلفين في الأرض، وكل كافر فاسق، وليس كل فاسق كافر.