{أَفَلَمْ يَسِيرُوا فِى الْأَرْضِ}: أفلم: الهمزة للاستفهام والتّعجب والتّوبيخ، والفاء للتوكيد بمعنى الأمر؛ أي: لِمَ لا يسير كفار مكة الّذين كذّبوا رسول الله -صلى الله عليه وسلم-. يسيروا في الأرض: أي يسافروا في الأرض إلى ديار قوم صالح وقوم لوط وقوم هود وغيرها؛ للسياحة والاعتبار ليجدوا ديارهم خالية وآبارهم معطلة ومنازلهم خاوية على عروشها.
فيدركون بعقولهم أنّ تكذيبهم لنبيّهم قد يسبب لهم هلاكهم كما حدث لهذه الأقوام، ويسمعون بآذانهم أخبار من سبقهم من الأمم.
{فَتَكُونَ لَهُمْ قُلُوبٌ يَعْقِلُونَ بِهَا}: القلوب قيل: هي العقول؛ لأنّ التفكير يكون بالعقل ولولا القلب لتعطل العقل؛ لأنّه يضخ الدّم للعقل، وكذلك هناك اتصال بين المخ والقلب بواسطة اللنف والمجال الكهربائي والأعصاب وغيره، وعضلة القلب فيها خلايا تسمى كارديوميوسايت في البطينة والأذينة وفيها مستقبلات تسمى ادرينورجك، وخلايا عصبية لها شأن في الذاكرة والعاطفة يطلق عليها أحياناً: الفؤاد أو القلب، وهذا ما يفسر قوله تعالى:(لهم قلوب لا يفقهون بها)، أو كقوله تعالى:(فتكون لهم قلوب يعقلون بها)، أو قوله:(قد شغفها حباً)[يوسف: ٣٠]، {وَأَصْبَحَ فُؤَادُ أُمِّ مُوسَى فَارِغًا}[القصص: ١٠].
{فَإِنَّهَا لَا تَعْمَى الْأَبْصَارُ}: أي: لم تعمَ أبصارهم آنذاك فقد كانت تبصر وترى، وما أصابهم هو عمى البصيرة عمى القلب.
{وَلَكِنْ تَعْمَى الْقُلُوبُ الَّتِى فِى الصُّدُورِ}: لكن: حرف استدراك.
تعمى: من عمى البصيرة. والعمى: عادة هو فقدان البصر العادي، وقد وردت كلمة العمى بمعنى: فقدان البصيرة؛ كقوله تعالى:{أَفَمَنْ يَعْلَمُ أَنَّمَا أُنْزِلَ إِلَيْكَ مِنْ رَبِّكَ الْحَقُّ كَمَنْ هُوَ أَعْمَى}[الرعد: ١٩]، والعمى يشمل العَمَه: وهو عمى البصيرة، والتردد، والحيرة الذي يصيب القلب والعقل، وهو أشد من عمى البصر.