{فَتَبَسَّمَ ضَاحِكًا مِنْ قَوْلِهَا}: الفاء تدل على المباشرة أيْ: فما إن سمعها تقول للنمل: ادخلوا مساكنكم لا يحطمنكم سليمان وجنوده وهم لا يشعرون، تبسم من قولها وضحك وابتسم: الضّحك ناتج عن سرور وهناك تبسم من دون ضحك، وقيل: أكثر ضحك الأنبياء تبسم، تبسم ضاحكاً متعجباً من هذه النّملة الّتي خافت منه وتحذِّر غيرها من النّمل. وقد يسئل سائل في الآية (١٦) وقال: {يَاأَيُّهَا النَّاسُ عُلِّمْنَا مَنْطِقَ الطَّيْرِ} وهنا يقول نملة، وهل النمل من أنواع الطيور؟ والحقيقة قوله علمنا منطق الطير لا تعني الحصر؛ أي: فقط لغة الطير؛ أي: علمنا منطق الطير وغيره من لغات الحيوانات والعلوم الأخرى.
وعندها شعر سليمان بفضل الله تعالى ونعمه عليه فدعا ربه قائلاً:
{أَوْزِعْنِى}: من الوزع وهو الكف والمنع، أي: امنعني أن أغفل أو أنسى أن أشكر نعمتك على الدّوام، أيْ: أظل شاكراً لك أو كُفني عما يباعد عن شكرك، وقيل: أوزعني من الإيزاع، أي: الإغراء بالشّيء أو مولع بشيء، أيْ: مولع بشكرك دائماً.
{نِعْمَتَكَ الَّتِى أَنْعَمْتَ عَلَىَّ وَعَلَى وَالِدَىَّ}: الوالد هو داود.
{وَأَنْ أَعْمَلَ صَالِحًا تَرْضَاهُ}: أيْ: وألهمني أن أعمل صالحاً، أن للتعليل والتّوكيد، مقابل تلك النّعم يَسر لي العمل الصّالح الّذي ترضاه، أيْ: وفقني وساعدني على القيام به.
{وَأَدْخِلْنِى بِرَحْمَتِكَ فِى عِبَادِكَ الصَّالِحِينَ}: رغم النّبوة وكلّ تلك النّعم ما زال متواضعاً لم يعط نفسه درجة على غيره، ولم يورثِّه كلُّ ذلك المُلك والفضل الغرورَ والتّكبرَ، ورغم أنّه أعطي ملكاً، لم يعطِ الله لأحدٍ مثله، وأدخلني برحمتك بسبب رحمتك، باء السّببية فاجعلني واحداً من هؤلاء العباد الصّالحين ولم يقل: وأدخلني في رحمتك: في الظّرفية، أي: اجعلني من بين الّذين رحمتهم؛ لأنّه يعلم أنّه داخل في رحمة الله؛ لأنّه أعطي النّبوة فهذه أكبر رحمة من الله تعالى.
وتعني أنّه كان في رحمة الله تعالى، ويريد أن يدخل في رحمة جديدة هي أن يكون من بين الصّالحين. من جاء ذكرهم في سورة الفرقان الآية (٦٣-٧٤){وَعِبَادُ الرَّحْمَنِ الَّذِينَ يَمْشُونَ عَلَى الْأَرْضِ هَوْنًا........... وَاجْعَلْنَا لِلْمُتَّقِينَ إِمَامًا}.