للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

مسار الصفحة الحالية:

سورة النساء [٤: ٤٧]

{يَاأَيُّهَا الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتَابَ آمِنُوا بِمَا نَزَّلْنَا مُصَدِّقًا لِمَا مَعَكُمْ مِنْ قَبْلِ أَنْ نَّطْمِسَ وُجُوهًا فَنَرُدَّهَا عَلَى أَدْبَارِهَا أَوْ نَلْعَنَهُمْ كَمَا لَعَنَّا أَصْحَابَ السَّبْتِ وَكَانَ أَمْرُ اللَّهِ مَفْعُولًا}:

{يَاأَيُّهَا}: نداء استعمل فيها يا النداء؛ للبعد. والهاء: للتنبيه.

{أُوتُوا الْكِتَابَ}: المقصود بهم اليهود هنا، وأوتوا الكتاب عادة هم اليهود والنصارى، وناداهم بالذين أوتوا الكتاب للترغيب أو إثارة اهتمامهم أو همهم، ولم ينادهم بأهل الكتاب؛ لأن النداء بأهل الكتاب فيه تكريم أكثر من الذين أوتوا الكتاب، فهم لا يستحقون النداء بأهل الكتاب، وفيه تهديد وذم أيضاً لقوله تعالى: {مِنْ قَبْلِ أَنْ نَّطْمِسَ وُجُوهًا فَنَرُدَّهَا عَلَى أَدْبَارِهَا أَوْ نَلْعَنَهُمْ كَمَا لَعَنَّا أَصْحَابَ السَّبْتِ}.

{آمِنُوا بِمَا نَزَّلْنَا}:

{آمِنُوا}: أيْ: صدقوا.

{بِمَا}: الباء: للإلصاق. ما: اسم موصول؛ تعني: الذي.

{نَزَّلْنَا}: وهو القرآن، نزلنا: تعني: منجماً على دفعات على زمن (٢٣) عاماً، ولم يقل: أنزلنا؛ التي تعني: جملة واحدة؛ أيْ: دفعة واحدة.

{مُصَدِّقًا لِمَا مَعَكُمْ}: أي: القرآن مصدقاً للتوراة الذي أنزل عليكم، أو للتوراة والإنجيل.

{مُصَدِّقًا}: أيْ: موافقاً ومطابقاً. {قَبْلِ أَنْ نَّطْمِسَ وُجُوهًا}: الطمس قد يعني: المحو التام، أو التحويل والتشويه.

{فَنَرُدَّهَا عَلَى أَدْبَارِهَا}: لها معانٍ عدة؛ منها: نزيل العين والأنف، وحجاب العين، وهذا مسخ للوجه، أو نذهب الحدقة العينية، أو نغلق الأفواه، أو نجعل الوجه في الخلف بدلاً من الأمام، أو نطمس عليها ونردها؛ تعني: نصرفها عن الهدى بعدما تبيَّن لها؛ أيْ: نردها على أدبارها في الضلال، كما كانت سابقاً. ارجع إلى سورة ياسين آية (٦٦)؛ لمزيد من البيان.

{فَنَرُدَّهَا}: الفاء: في فنردها تفيد التعقيب والمباشرة؛ أيْ: بعد الطمس نقوم بالرد على الأدبار.

{أَوْ نَلْعَنَهُمْ كَمَا لَعَنَّا أَصْحَابَ السَّبْتِ وَكَانَ أَمْرُ اللَّهِ مَفْعُولًا}:

{أَوْ}: للتخيير، {نَلْعَنَهُمْ}: من اللعن، واللعن لغة: هو الطرد والإبعاد، ورجل لعين: منبوذ مطرود من قومه، واللعن قد يعني: الإهلاك، أو المسخ، ويعني: عامة الطرد، والإبعاد عن رحمة الله تعالى، أو نمسخهم قردة وخنازير، أو نهلكم كما فعلنا بأصحاب السبت. ارجع إلى سورة الأعراف، آية (١٦٣-١٦٦)؛ لمزيد من البيان في أصحاب السبت.

{وَكَانَ أَمْرُ اللَّهِ مَفْعُولًا}: نافذ لا محالة، ولا راد لحكمه. انظر كيف تغيرت صيغة الكلام من صيغة المتكلم إلى صيغة الغائب حين قال تعالى: {وَكَانَ أَمْرُ اللَّهِ مَفْعُولًا} بدلاً: وكان أمرنا مفعولاً؛ التغيير يحدث لإثارة التفات السامع، ويدل على الوحدانية بعد ذكر الآيات السابقة التي تدل على الجمع والتعظيم.

والله سبحانه يملك الزمن، والقدرة على الفعل والفاعل، وكل مقومات الحدث بكلمة: كن فيكون.