المناسبة: بعد ذكر فضل الله تعالى على داود الأب يذكر فضله على ابنه سليمان بن داود.
{وَلِسُلَيْمَانَ الرِّيحَ غُدُوُّهَا شَهْرٌ وَرَوَاحُهَا شَهْرٌ}: ولسليمان: اللام لام الاختصاص؛ أي: سخرنا لسليمان الرّيح، غدوها: من غدا: السّير أوّل النّهار (من الصّباح إلى وقت الظّهر وقت الزّوال)، ورواحها: العودة آخر النّهار (من الظّهر إلى المغرب وقت الغروب)، ورواحها مصدر: راح يروح، غدوها شهر: أي جريها أو سيرها بالغداة مسيرة شهر، ورواحها شهر: أي جريها بالعشي مسيرة شهر؛ أي: سرعة جريان الرّيح يساوي مسيرة شهرين أو مسافة ما تقطعه الرّيح في (٢٤) ساعة يعادل مسيرة شهرين، وكلمة الرّيح في القرآن تحمل معنى الشّر وأمّا الرّياح فتحمل معنى الخير، وبما أنّها ريح قوية أعطت سليمان القوة والمنعة والغلبة فهي ريح خاصة به مغايرة لغيرها من الرّيح يتصرف بها كيف يشاء.
{وَأَسَلْنَا لَهُ عَيْنَ الْقِطْرِ}: أي وسخرنا له عيناً تنبع بالنّحاس كما ينبع الماء من العين، النّحاس المذاب ويسمى: القِطر، كما ألنّا لأبيه الحديد، وقيل: استمر سيلانه ثلاثة أيّام.
{وَمِنَ الْجِنِّ مَنْ يَعْمَلُ بَيْنَ يَدَيْهِ بِإِذْنِ رَبِّهِ}: من: بعضية؛ أي: بعض الجن وليس كلّ الجن، وهم الشّياطين كما قال تعالى:{وَمِنَ الشَّيَاطِينِ مَنْ يَغُوصُونَ لَهُ وَيَعْمَلُونَ عَمَلًا دُونَ ذَلِكَ}[الأنبياء: ٨٣]، {وَالشَّيَاطِينَ كُلَّ بَنَّاءٍ وَغَوَّاصٍ}[ص: ٣٧]، يعمل بين يديه بإذن ربه: أي بأمر ربه، بين يديه: أي: ما يطلبه منهم فقط، مثال:{يَعْمَلُونَ لَهُ مَا يَشَاءُ مِنْ مَحَارِيبَ وَتَمَاثِيلَ وَجِفَانٍ كَالْجَوَابِ وَقُدُورٍ رَّاسِيَاتٍ} أي: أمرهم الله بطاعة سليمان وهناك قسم من الجن لم يُسخر له.
{وَمَنْ يَزِغْ مِنْهُمْ عَنْ أَمْرِنَا}: من: شرطية، يزِغ منهم عن أمرنا: زاغ عن الأمر: عدل عنه أو مال؛ أي: من يعدل من الجن عن أمرنا، أي ما يأمر سليمان بعمله مثل المحاريب والتّماثيل والغوص وغيره من الأعمال، أي من يعصِ من الجن أمر سليمان كأنّه يعصي أمر الله تعالى.
{نُذِقْهُ مِنْ عَذَابِ السَّعِيرِ}: منهم من قال: عذاب السّعير في الآخرة، ومنهم من قال: في الدّنيا كان يعذب من يزِغ بسوط من نار، كما روى ابن عباس.