سورة الحج [٢٢: ٤٠]
{الَّذِينَ أُخْرِجُوا مِنْ دِيَارِهِمْ بِغَيْرِ حَقٍّ إِلَّا أَنْ يَقُولُوا رَبُّنَا اللَّهُ وَلَوْلَا دَفْعُ اللَّهِ النَّاسَ بَعْضَهُم بِبَعْضٍ لَّهُدِّمَتْ صَوَامِعُ وَبِيَعٌ وَصَلَوَاتٌ وَمَسَاجِدُ يُذْكَرُ فِيهَا اسْمُ اللَّهِ كَثِيرًا وَلَيَنْصُرَنَّ اللَّهُ مَنْ يَنصُرُهُ إِنَّ اللَّهَ لَقَوِىٌّ عَزِيزٌ}:
{الَّذِينَ}: أي: المؤمنين محمّد -صلى الله عليه وسلم- وأصحابه وغيرهم من المؤمنين الّذين يجيئون بعدهم.
{أُخْرِجُوا مِنْ دِيَارِهِمْ}: من مكة أو غيرها من الديار، أخرجهم عدوهم.
{بِغَيْرِ حَقٍّ}: الباء: للإلصاق، بغير حق؛ أي: لم يكن لهم ذنب أو سبب حقيقي يستدعي إخراجهم، أو موجب لإخراجهم، وإنما أُخرجوا بالعدوان والظلم والبغي.
{إِلَّا}: أداة حصر، أي: ما أُخرجوا من ديارهم إلا بسبب قولهم: ربنا الله؛ أي: إيمانهم بالله أو دينهم وإسلامهم.
{أَنْ يَقُولُوا رَبُّنَا اللَّهُ}: أن: للتوكيد، يقولوا ربنا الله (وحده لا شريك له)، ولا نعبد إلا إياه مخلصين له الدّين.
ومن هنا جاء الإذن بالقتال، وقد أوضحت الآيات الحكمة من مشروعية القتال وأسبابه، ومنها: إخراج المؤمنين من ديارهم وسلب ممتلكاتهم، وإيذاؤهم وطردهم من أوطانهم بسبب دينهم وإسلامهم والدّفاع عن مقدساتهم ودور العبادة، وكذلك حماية المستضعفين من الرّجال والنّساء والولدان، وكذلك عدم تمكن المؤمنين من ممارسة شرائع دينهم والعبادة.
{وَلَوْلَا دَفْعُ اللَّهِ النَّاسَ بَعْضَهُم بِبَعْضٍ لَّهُدِّمَتْ} لولا: حرف امتناع لوجود (الدّفع)؛ أي: ولولا الدّفع لهدّمت صوامع، فما هو الدّفع: الدّفع: هو الدّفاع أو القتال في سبيل الله تعالى.
ومعناه: لولا دفع الله المشركين بالمسلمين لغلب المشركون في الأرض وأفسدوا فيها وأهلكوا الحرث والنسل، وهدّمت دور العبادة من صوامع وبِيَع وصلوات ومساجد، أو: لولا أنّ الله يدفع الكافر بالمؤمن والعاصي بالطّائع، ويدفع الباطل بالحق، لفسدت الأرض ومن عليها ولهدّمت.
{صَوَامِعُ}: معابد وأديرة الرّهبان.
{وَبِيَعٌ}: كنائس النّصارى.
{وَصَلَوَاتٌ}: كنائس اليهود (مشتقة من الصّلاة).
{وَمَسَاجِدُ}: أي: بيوت الله المخصصة للعبادة. والمسجد: هو دار عبادة المسلمين، والذي تقام فيه الصلوات الخمس، وصلاة الجمعة المفروضة وغيرها، ويطلق عليه اسم جامع، والاسم مسجد مشتق من السجود، والجامع مشتق من صلاة الجمعة، أو لكونه يجمع الناس.
{يُذْكَرُ فِيهَا اسْمُ اللَّهِ كَثِيرًا}: فيها: في هذه الأماكن الأربعة، يُذكر اسم الله كثيراً بالصّلاة والدّعاء والخطب والدّروس، وهذا التّرتيب قد يكون من الأدنى إلى الأعلى بالدّرجة، أو الأقل إلى الأكثر عُمّاراً وعُبّاداً.
{وَلَيَنْصُرَنَّ اللَّهُ مَنْ يَنصُرُهُ}: الواو استئنافية، لينصرن: اللام لام التّوكيد، ينصرن: فيها نون التّوكيد، ينصرن بالغلبة والنّصر وكسب المعركة، أو بالشّهادة والقتل في سبيل الله ونيل الحسنى، ولينصرن الله من ينصر دينه ورسله والمؤمنين والمظلومين والضّعفاء، والّذين يعملون على إعلاء كلمة الله؛ لتكون هي العليا وكلمة الّذين كفروا هي السفلى.
{إِنَّ اللَّهَ لَقَوِىٌّ عَزِيزٌ}: إنّ للتوكيد، لقوي: اللام للتوكيد، قوي: لا يعجزه شيء في الأرض ولا في السّموات ولا يفوته شيء، عزيز: له عزة القهر والغلبة والقوة، لا يُقهر ولا يُغلب، وله عزةُ الامتناع لا يحتاج إلى أحد من عباده، ولا يناله أحد بأي مكروه، أو سوء، وله عزة العظمة.
لنقارن آية البقرة (٢٥١) قوله تعالى: {وَلَوْلَا دَفْعُ اللَّهِ النَّاسَ بَعْضَهُم بِبَعْضٍ لَفَسَدَتِ الْأَرْضُ وَلَكِنَّ اللَّهَ ذُو فَضْلٍ عَلَى الْعَالَمِينَ}.
مع هذه الآية (٤٠) من سورة الحج: {وَلَوْلَا دَفْعُ اللَّهِ النَّاسَ بَعْضَهُم بِبَعْضٍ لَّهُدِّمَتْ صَوَامِعُ وَبِيَعٌ وَصَلَوَاتٌ وَمَسَاجِدُ يُذْكَرُ فِيهَا اسْمُ اللَّهِ كَثِيرًا}.
نجد آية البقرة جاءت تعقيباً على فرضية الجهاد على بني إسرائيل: {أَلَمْ تَرَ إِلَى الْمَلَإِ مِنْ بَنِى إِسْرَاءِيلَ مِنْ بَعْدِ مُوسَى إِذْ قَالُوا لِنَبِىٍّ لَهُمُ ابْعَثْ لَنَا مَلِكًا نُّقَاتِلْ فِى سَبِيلِ اللَّهِ}.
ونجد آية الحج جاءت تعقيباً للإذن للمؤمنين بالجهاد في سبيل الله؛ أي: فرض لمنع الفساد في الأرض وتحقيق الأمن، ومنع هدم أماكن الصّلاة والعبادة الّتي هي من أسباب منع الفساد في الأرض وتحقيق الأمن.