سورة التوبة [٩: ٢٨]
{يَاأَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِنَّمَا الْمُشْرِكُونَ نَجَسٌ فَلَا يَقْرَبُوا الْمَسْجِدَ الْحَرَامَ بَعْدَ عَامِهِمْ هَذَا وَإِنْ خِفْتُمْ عَيْلَةً فَسَوْفَ يُغْنِيكُمُ اللَّهُ مِنْ فَضْلِهِ إِنْ شَاءَ إِنَّ اللَّهَ عَلِيمٌ حَكِيمٌ}:
{يَاأَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا}: نداء جديد للذين آمنوا بأمر جديد، أو تكليف، أو بيان، أو حكم: وهو المشركون نجس. يقال لكل شيء مستقذر نجس.
{إِنَّمَا}: كافة، ومكفوفة؛ تفيد التّوكيد.
{الْمُشْرِكُونَ نَجَسٌ}: جمع مشرك، فكل مشرك نجس، والنّجاسة تقسم إلى نجاسة حسية؛ مثل: البول، والميتة، ولحم الخنزير، ونجاسة حكمية معنوية: كالشرك، والخمر، والميسر، بسبب اعتقاداتهم الفاسدة، وشركهم، وقوله: إنما المشركون نجس: تشبيه بليغ.
{فَلَا يَقْرَبُوا الْمَسْجِدَ الْحَرَامَ}: لا: الناهية، يقربوا المسجد الحرام: أيْ: ألا يكونوا قريبين من حدود الحرم، من جهة المدينة المنورة عند التنعيم (٣ أميال) من الكعبة، ومن جهة اليمن (٧ أميال)، ومن جهة جدة (١٠ أميال)، ومن جهة الجعرانة (٩ أميال)، ومن جهة العراق (٧ أميال).
وهل النهي يشمل كل مسجد، أم المسجد الحرام فقط؟ وكل مسجد غيره؛ لأنهم قالوا بالقياس؛ اختلف العلماء في هذا. ارجع إلى المصادر الفقهية.
{بَعْدَ عَامِهِمْ هَذَا}: بعد هذا العام التّاسع من الهجرة؛ أي: المنع يبدأ في السّنة العاشرة.
{هَذَا}: الهاء: للتنبيه، ذا: اسم إشارة؛ للقرب، وهو العام الّذي حج فيه أبو بكر -رضي الله عنه- ، وقرأ علي -رضي الله عنه- على النّاس وثيقة البراءة من المشركين.
ولما نزلت هذه الآية خاف، وتوهم بعض المسلمين من أهل مكة: أن تنقطع تجارتهم، أو لقمة عيشهم بسبب هذا المنع؛ فرد الله على ظنهم بقوله:
{وَإِنْ خِفْتُمْ عَيْلَةً}: وإن: شرطية؛ تفيد الاحتمال، أو الشّك.
{عَيْلَةً}: مصدر عال، يعيل؛ لها معانٍ عدة: العيلة: الفقر، عال يعيل عَيْلة: إذا افتقر، والعيلة: من أعال إعالة؛ فهو يعيل؛ أيْ: أصبح صاحب عيال، أو كثر عياله، وتعني: وإن خفتم ألا تجدوا ما تنفقوا على عيالكم. ارجع إلى سورة النساء، آية (٣)؛ لمزيد من البيان.
{فَسَوْفَ}: الفاء: للتّأكيد، سوف: حرف للاستقبال؛ تفيد البعد، والتّراخي؛ أيْ: سوف يرزقكم الله تعالى بإنزال المطر، وإخراج الزرع، والثمار.
{يُغْنِيكُمُ اللَّهُ مِنْ فَضْلِهِ}: بإنزال مطر، أو إسلام الكثير من النّاس، والقدوم إلى الحج، والعمرة، وازدياد حركة التّجارة.
الفضل: هو الزّيادة على ما يستحق.
{إِنْ شَاءَ}: إن: شرطية؛ تفيد الاحتمال.
{إِنَّ اللَّهَ}: للتوكيد.
{عَلِيمٌ}: عليم بأقوالكم، وأفعالكم، ونواياكم، وعليم بما يصلح أحوالكم: الغنى، أم الفقر.
{حَكِيمٌ}: حكيم من الحكم؛ فهو الحاكم، وحكيم من الحكمة؛ فهو أحكم الحكماء في العطاء، أو المنع، حكيم بتدبير شؤون خلقه، وكونه، وشرعه؛ فهو أحكم الحاكمين، وأحكم الحكماء. ارجع إلى سورة البقرة، آية (١٢٩)؛ لمزيد من البيان.