{مُحَرَّمَةٌ عَلَيْهِمْ أَرْبَعِينَ سَنَةً}: لا يدخلونها، هذا هو الحكم الأول.
والحكم الثاني هو:{يَتِيهُونَ فِى الْأَرْضِ}: فلان تاه؛ أيْ: سار على غير هدى، لا يعرف لنفسه مدخلاً ولا مخرجاً.
أيْ: محرمة عليهم (٤٠ سنة) لا يدخلونها، وخلال ذلك الزمن (٤٠ سنة يتيهون في الأرض)، وقيل: تاهوا (٤٠ سنة)، يصبحون حيث أمسوا، ويمسون حيث أصبحوا، وبعد (٤٠ سنة) دخلوها على يد يوشع بن نون، وإذا وقف القارئ عند كلمة:{مُحَرَّمَةٌ عَلَيْهِمْ} وبدأ بـ: {أَرْبَعِينَ سَنَةً يَتِيهُونَ فِى الْأَرْضِ}: عندها تعني: {مُحَرَّمَةٌ عَلَيْهِمْ}: إلى الأبد، والتيه يكون أربعين سنة.
{فَلَا تَأْسَ عَلَى الْقَوْمِ الْفَاسِقِينَ}:
{فَلَا تَأْسَ}: لا: الناهية. {تَأْسَ}: من الأسى: هو أشد ألماً من الحزن؛ أي: حزن شديد, يخالطه جذع, وأطول فترة من الحزن، بينما الحزن أقل ألماً من الأسى، ومؤقت.
لماذا قال تبارك وتعالى:{فَلَا تَأْسَ عَلَى الْقَوْمِ الْفَاسِقِينَ}:
يبدوا أن موسى -عليه السلام- شعر بالأسى والحزن، فدعا على بني إسرائيل، بعد أن أعلنوا عصيانهم وتمردهم على الدخول، ولم يدعُ لهم بالهداية، أو لم يمهلهم ربُّهم زمناً أطول للدخول؛ فجاءت الاستجابة مباشرةً بقوله:{فَإِنَّهَا}: الفاء: للتعقيب والسرعة، وتشبه حالتهم في التيه؛ كحالة السجين، وكما لا بُدَّ للسجين من أن يُطعم ويُسقى؛ فقد أمدهم الله بالطعام بالمن والسلوى، وفجَّر لهم الحجر اثنتي عشرة عيناً:{قَدْ عَلِمَ كُلُّ أُنَاسٍ مَّشْرَبَهُمْ}[البقرة: ٦٠].