سورة البقرة [٢: ٦٠]
{وَإِذِ اسْتَسْقَى مُوسَى لِقَوْمِهِ فَقُلْنَا اضْرِب بِعَصَاكَ الْحَجَرَ فَانفَجَرَتْ مِنْهُ اثْنَتَا عَشْرَةَ عَيْنًا قَدْ عَلِمَ كُلُّ أُنَاسٍ مَّشْرَبَهُمْ كُلُوا وَاشْرَبُوا مِنْ رِّزْقِ اللَّهِ وَلَا تَعْثَوْا فِى الْأَرْضِ مُفْسِدِينَ}:
{وَإِذِ}: أي: واذكر إذ أوحينا.
{اسْتَسْقَى مُوسَى}: طلب السقيا؛ أي: المطر، وكان ذلك في التيه؛ بعد أن قل الماء وعطشوا عندها طلب موسى السقيا لقومه.
وقوله: {لِقَوْمِهِ}: فالله سبحانه يقي أنبياءه، وعباده الصالحين، من الشكوى، أو التذمر في حالة الشدة، بل يصبرون، وكأنّ موسى -عليه السلام- ، هنا؛ لم يكن ظمآن، أو كان صابراً، واستسقى لقومه فقط، ولم يدعُ موسى لنفسه.
{فَقُلْنَا اضْرِب بِعَصَاكَ الْحَجَرَ}؛ والحق -جل وعلا- كان قادراً على أن ينزل عليهم مطراً من السماء مباشرة، وينتهي الأمر، ولكن الله -جل وعلا- ؛ أراد أن يُريهم معجزة أخرى، بأن يضرب موسى بعصاه الحجر، وكلمة الحجر فيها: ألف ولام التعريف، إذن هو حجر مُعين، وليس أيَّ حجر، وإلَّا فجاء، بصيغة النكرة.
{فَانفَجَرَتْ مِنْهُ اثْنَتَا عَشْرَةَ عَيْنًا}:
أي: فضرب {فَانفَجَرَتْ مِنْهُ}: الانفجار، هو خروج الماء، بشدة، وغزارة، وصوت، بعكس الانبجاس، الذي يدل على سيلان الماء، بقلة، وببطء، كما ورد في سورة الأعراف، آية (١٦٠)، وقيل: الماء قل، بسبب ازدياد، وكثرة معاصيهم، وقيل: إن الانفجار حدث أولاً، ثم بعد ذلك الانبجاس ثانياً، وهو السيلان؛ فأصبح الماء يسري كالعيون، كل سبط له مجرى.
{اثْنَتَا عَشْرَةَ عَيْنًا}: بعدد الأسباط؛ فلكل سبط عينٌ؛ حتّى لا تقع بينهم البغضاء والشحناء.
{قَدْ عَلِمَ كُلُّ أُنَاسٍ مَّشْرَبَهُمْ}؛ {قَدْ}: للتحقيق؛ أي: ثبت، ووقع.
كلُّ أناس؛ أي: كل سبط، {مَّشْرَبَهُمْ}: عينهم الّتي يشربون منها.
والمشرب: موضع الشرب. وفي الآية (١٦٠) من سورة الأعراف قال تعالى: {إِذِ اسْتَسْقَاهُ قَوْمُهُ أَنِ اضْرِب بِعَصَاكَ الْحَجَرَ فَانبَجَسَتْ مِنْهُ اثْنَتَا عَشْرَةَ عَيْنًا}؛ ارجع إلى سورة الأعراف آية (١٦٠) لمزيد من البيان.
{كُلُوا وَاشْرَبُوا مِنْ رِّزْقِ اللَّهِ}: كلوا من المن، والسلوى، وغيرها، واشربوا من هذا الماء، فهذا كله من رزق الله، يأتيكم بلا تعب، ولا مشقة.
{وَلَا تَعْثَوْا فِى الْأَرْضِ مُفْسِدِينَ}: والعثو: هو أشد الفساد، أو كثرة الفساد.
وانتهوا عن نشر الفساد في الأرض، ولا تتمادوا فيه؛ كي لا يصبح الفساد، من صفاتكم الثابتة. ارجع إلى الآية (٢٥١) من نفس السورة لمزيد من البيان.