للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

مسار الصفحة الحالية:

سورة طه [٢٠: ٣٩]

{أَنِ اقْذِفِيهِ فِى التَّابُوتِ فَاقْذِفِيهِ فِى الْيَمِّ فَلْيُلْقِهِ الْيَمُّ بِالسَّاحِلِ يَأْخُذْهُ عَدُوٌّ لِّى وَعَدُوٌّ لَهُ وَأَلْقَيْتُ عَلَيْكَ مَحَبَّةً مِّنِّى وَلِتُصْنَعَ عَلَى عَيْنِى}:

{أَنِ}: تعليلية مصدرية تفسيرية.

{اقْذِفِيهِ فِى التَّابُوتِ}: القذف: هو الإلقاء بسرعة؛ أي: ألقي موسى في التّابوت بسرعة، وبدون تردد؛ حتّى لا تأخذها عاطفة الأمومة، وتتوقف، أو تتأخر عن القيام بذلك.

{فَاقْذِفِيهِ فِى الْيَمِّ}: الفاء: للمباشرة، وتكرار (اقذفيه): للتوكيد وعدم التردد؛ أي: اقذفي التّابوت وفيه موسى؛ في اليم: يعني النهر الكبير؛ أي: في نهر النّيل، والبحر أعم وأوسع وأكثر ماءً من اليم، ومن خصوصيات القرآن استعمل كلمة اليم في مقام الخوف والعقوبة، وأما البحر استعمل في مقام النجاة.

{فَلْيُلْقِهِ الْيَمُّ بِالسَّاحِلِ}: الفاء: للمباشرة، فتجري أمواج نهر النّيل به، حتّى تلقيه بالسّاحل عند قصر فرعون، كما قدر الله سبحانه وقضى، وكأنّ أمواج نهر النّيل أُمرت بذلك، وتعلم أين تأخذ موسى، وتجري به إلى مكان يأخذه عدو لي وعدو له، وهو فرعون.

{يَأْخُذْهُ عَدُوٌّ لِّى وَعَدُوٌّ لَهُ}: أي: تلتقطه حاشية فرعون فيأتون به إلى فرعون الّذي هو عدو لي؛ (أي: عدو لله تعالى)؛ لأنّه كان يدعي الألوهية، وأنّه ربهم الأعلى.

{وَعَدُوٌّ لَهُ}: عدو لموسى؛ لأنّ فرعون سيحاول قتل موسى، ويقف حائلاً أمام دعوته، والتّصديق له.

{وَأَلْقَيْتُ عَلَيْكَ مَحَبَّةً مِّنِّى}: عليك: خاصة تفيد الحصر، محبة مني: أي: ألقى الله سبحانه؛ أي: زرع الله في قلوب عباده محبة لموسى، فكلّ من رأى موسى أحبه، حتّى فرعون نفسه أحب موسى، ولم يقتله، ورعاه ورباه في قصره حتّى بلغ أشده، واستوى، وكذلك امرأة فرعون قالت لفرعون: {وَقَالَتِ امْرَأَتُ فِرْعَوْنَ قُرَّتُ عَيْنٍ لِّى وَلَكَ لَا تَقْتُلُوهُ عَسَى أَنْ يَنْفَعَنَا أَوْ نَتَّخِذَهُ وَلَدًا} [القصص: ٩].

{وَلِتُصْنَعَ عَلَى عَيْنِى}: لتصنع: تعني: تُربّى على مرأى من عيني؛ أي: برعاية، وحفظ مني، واللام في كلمة "لتصنع" للتوكيد، والتّعليل، فهو وإن كان يُربى وينشأ في قصر فرعون، فهو يُربى وينشأ تحت رعاية الله سبحانه، وتربية موسى شبهت بالصّناعة، والصّناعة تعني: الجودة في العمل، أو الصنع، وتحتاج إلى مهارة وصبر ودقة وحكمة، وكذلك يحب أن تكون تربيتنا لأطفالنا كأنّها صناعة.

وإذا قارنا قوله تعالى لموسى: {وَلِتُصْنَعَ عَلَى عَيْنِى} بقوله لمحمد -صلى الله عليه وسلم-: {فَإِنَّكَ بِأَعْيُنِنَا} [الطّور: ٤٨]؛ أي: أنت تحت رعايتنا، ولم يقل ولتصنع على عيني؛ لأنّ زمن الصنع فات، والرسول -صلى الله عليه وسلم- كان بعد سن الأربعين.