سورة النساء [٤: ١٤٢]
{إِنَّ الْمُنَافِقِينَ يُخَادِعُونَ اللَّهَ وَهُوَ خَادِعُهُمْ وَإِذَا قَامُوا إِلَى الصَّلَاةِ قَامُوا كُسَالَى يُرَاءُونَ النَّاسَ وَلَا يَذْكُرُونَ اللَّهَ إِلَّا قَلِيلًا}:
{إِنَّ الْمُنَافِقِينَ يُخَادِعُونَ اللَّهَ}: الخداع: هو نوع من الحيلة والمكر، بحيث تظهر للآخر خلاف الحقيقة، أو تستر عنه الصواب؛ لكي يجلب لنفسه منفعة، ويدفع مضرةً، وتكون عادة في الخفاء.
كيف يخادعون الله تعالى، وهم في الحقيقة يخادعون المؤمنين؟
لأن خداعهم للمؤمنين يعتبر خداعاً لله -سبحانه وتعالى- ، فهم في تصورهم يخادعون المؤمنين بإظهار إيمانهم، والجلوس مع المسلمين، والذهاب إلى المساجد، واستماعهم للقرآن، والحديث.
وكلمة يخادعون: مشتقة من يخادع، بوزن يفاعل؛ تدل على شدة المخادعة، والمفاعلة، وكثرتها، والعزم على تكرارها، ولم يقل: يخدعون، وإنما يخادعون.
{يُخَادِعُونَ اللَّهَ}: جملة فعلية، تدل على التجدّد، والتكرار بعكس يخدعون التي قد تدل على عدم القصد، وعدم التكرار.
{وَهُوَ خَادِعُهُمْ}: أيْ: مجازيهم على خداعهم، وهو خادعهم جملة اسمية تدل على الثبوت، وعدم التغيير، والجملة الاسمية أقوى من الجملة الفعلية، فالله سبحانه أقوى منهم.
والسؤال هنا: هل الله سبحانه يخدع؟ أو يحتاج إلى ذلك؟
والجواب: حاشا لله أن يخدع، وليست من صفاته الخداع، ولا حاجة له به. إذن فكيف ينسب الخداع، أو المكر له -سبحانه وتعالى- ، كما في قوله: {وَيَمْكُرُونَ وَيَمْكُرُ اللَّهُ وَاللَّهُ خَيْرُ الْمَاكِرِينَ} [الأنفال: ٣٠]؟
الجواب: هذا الأداء البياني يسمَّى المشاكلة في اللفظ، والله سبحانه لا يضرُّه كيدهم شيئاً، بل بالعكس، ويؤخر عنهم العقوبة؛ ليزدادوا إثماً، ومأواهم الدرك الأسفل من النار.
{وَإِذَا قَامُوا إِلَى الصَّلَاةِ قَامُوا كُسَالَى}: إذا: شرطية زمانية؛ تدل على كثرة الحدوث.
{كُسَالَى}: من الكسل: هو التراخي في أداء المهمة، فهم يُصلون بتثاقل ورياء، وكراهية.
{يُرَاءُونَ النَّاسَ}: يصلون لكي يراهم الناس، وللسمعة فقط، وليس لوجه الله، ولكي يحمدوهم، ويثنوا عليهم.
{وَلَا يَذْكُرُونَ اللَّهَ إِلَّا قَلِيلًا}: فهم لا يصلّون، ولا يذكرون الله إلّا أمام الناس فقط، أما إذا كانوا غائبين عن أعين الناس فهم نادراً ما يصلّون، أو يسبحون الله، أو يحمدونه، أو يذكرونه.
{إِلَّا}: أداة حصر.
{وَلَا يَذْكُرُونَ}: لا: النافية.
{إِلَّا قَلِيلًا}: أي: العدد القليل منهم من يذكر الله -سبحانه وتعالى- ، أو أن كمية ذكرهم لله تعالى قليلة جداً.