سورة القصص [٢٨: ٢٩]
{فَلَمَّا قَضَى مُوسَى الْأَجَلَ وَسَارَ بِأَهْلِهِ آنَسَ مِنْ جَانِبِ الطُّورِ نَارًا قَالَ لِأَهْلِهِ امْكُثُوا إِنِّى آنَسْتُ نَارًا لَّعَلِّى آتِيكُمْ مِّنْهَا بِخَبَرٍ أَوْ جَذْوَةٍ مِنَ النَّارِ لَعَلَّكُمْ تَصْطَلُونَ}:
{فَلَمَّا}: الفاء، لما: ظرفية زمانية بمعنى حين.
{قَضَى مُوسَى الْأَجَلَ}: قضى: أتم، موسى الأجل: هو الوقت المضروب لانتهاء مدة الاستئجار أي: أتم موسى العمل عند شعيب عشر سنوات فهو قد قضى أقصى الأجلين.
{وَسَارَ بِأَهْلِهِ}: سار: من السّير أي: سار راجعاً إلى مصر من مدين، والسير قد يكون لغرض أو هدف وباتجاه معين، وأما المشي: هو مجرد الانتقال من مكانه وليس هناك هدف محدد له؛ بأهله: الباء للإلصاق، أهله: زوجته وابنه وتابعه، وتسمَّى الزّوجة الأهل؛ لأنّها تقوم بكثير من المهام والأعمال تغني عن كثير من أهل الرجل.
{آنَسَ}: شعر وأحس بشيء يؤنسه ويريحه ويطمئنه ضد التّوجس.
{مِنْ جَانِبِ الطُّورِ نَارًا}: أي: رأى ناراً منبعثة من جانب الطّور: الطّور الجبل، ولكن الطّور أقل حجماً من الجبل وهو طور سيناء، موسى رأى ناراً أي: ظنها ناراً، ولكنّها في الحقيقة نورٌ يتلألأ من الشجرة الخضراء.
ارجع إلى سورة النّمل آية (٨) للبيان.
{قَالَ لِأَهْلِهِ امْكُثُوا}: قال موسى لأهله: امكثوا: انتظروا هنا.
{إِنِّى آنَسْتُ نَارًا}: إني: للتوكيد، أنست ناراً.
{لَّعَلِّى آتِيكُمْ مِّنْهَا بِخَبَرٍ}: لعلي: فيها معنى الرجاء والأمل وعدم التّيقن والجزم؛ لأنّه غير متأكد فقد تنطفئ النّار أو تخمد بينما لو قال: سآتيكم منها بخبر: تدل على الجزم والتّأكد، فقد يبدأ الإنسان بكلمة لعلِّي، ثم يتحول إلى الجزم أو بالعكس.
{بِخَبَرٍ}: لكونه ضل الطّريق، وقيل: كانت ليلة باردة ممطرة وغير متأكد من الاتجاه، فهو بحاجة إلى من يدلُّه على الطّريق وبحاجة إلى شيء يتدفؤون به من البرد القارس.
{أَوْ جَذْوَةٍ مِنَ النَّارِ}: جمرة من النّار وهو ما يبقى من الحطب المشتعل بعد أن يخمد اللهب، الجذوة جمرة تكون من دون لهب، أو الجذوة قد تكون قبساً أو غير قبس.
{لَعَلَّكُمْ تَصْطَلُونَ}: لعلكم من لعل للترجي والتّعليل، تصطلون: من الاصطلاء، وهو الدّنو من النّار للدفء يقال: اصطلى، يصطلي إذا استدفأ؛ أي: لعلكم تتدفؤون.
ولو قارنا بعض هذه الآيات من سورة القصص مع بعض الآيات من سورة النمل تجد في سورة القصص: {آنَسَ مِنْ جَانِبِ الطُّورِ نَارًا} [آية: ٢٩]، في سورة النمل: {إِنِّى آنَسْتُ نَارًا} [آية: ٧].
في سورة القصص: {قَالَ لِأَهْلِهِ امْكُثُوا} [آية: ٢٩]، في سورة النمل: لم يقل امكثوا.
في سورة القصص: {لَّعَلِّى آتِيكُمْ مِّنْهَا بِخَبَرٍ أَوْ جَذْوَةٍ} [آية: ٢٩]، في سورة النمل: {سَآتِيكُمْ مِّنْهَا بِخَبَرٍ أَوْ آتِيكُمْ بِشِهَابٍ قَبَسٍ لَّعَلَّكُمْ تَصْطَلُونَ} [آية: ٧].
في سورة القصص: {لَعَلَّكُمْ تَصْطَلُونَ} [آية: ٢٩]، في سورة النمل: {لَّعَلَّكُمْ تَصْطَلُونَ} [آية: ٧].
هذه الاختلافات لا تدل على تناقض في أقوال موسى، وإنما هي أقوال قالها رداً على الحوار والأسئلة التي حدثت بينه وبين أهله في موقف واحد مثلاً قال: (سآتيكم منها بخبر)، قالوا: سنأتي معك، قال لهم: (امكثوا هنا)، قال: (سآتيكم منها بخبر) بكل تأكيد، ثم رجع عن قوله بالقول (لعلي)؛ لأنه غير متأكد، قال: (شهاب قبس) ملتهبة، ثم قال: (إذا لم أجد آتيكم منها بجذوة)، فالله سبحانه ينقل لنا الصورة الحقيقية لما حدث في تلك الليلة. ارجع إلى سورة النمل، وسورة طه لمزيد من البيان والمقارنة.