سورة الكهف [١٨: ٢٤]
{إِلَّا أَنْ يَشَاءَ اللَّهُ وَاذْكُر رَبَّكَ إِذَا نَسِيتَ وَقُلْ عَسَى أَنْ يَهْدِيَنِ رَبِّى لِأَقْرَبَ مِنْ هَذَا رَشَدًا}:
{إِلَّا}: أداة استثناء، وحصر.
{أَنْ}: أن: حرف مصدري يفيد التّعليل، والتّوكيد، والاستقبال. إلا: أداة استثناء.
{يَشَاءَ اللَّهُ}: أي: أراد، ولم يقل: إن يشاء ربك: لأنّ هذا الأمر؛ أي: القول: إن شاء الله: هو أمر تعبدي، والعبادة تخص الإلوهية (الله -جل وعلا- ).
وإن شاء الله: تأتي عادة في سياق الأمور التي نقوم بها بأنفسها، أما بإذن الله: تأتي في سياق الأمور التي لا دخل لنا فيها، بل هي بتدبير خارج عن إرادتنا.
{وَاذْكُر رَبَّكَ إِذَا نَسِيتَ}: لها معنيين:
المعنى الأوّل: أي: إذا قلت سأفعل كذا، وكذا، ونسيت أن تقول إن شاء الله، ثمّ تذكرت أنّك لم تقل ذلك؛ فقل عندها: إن شاء الله، ولو كان الوقت متأخراً؛ فمتى تذكرت قل: إن شاء الله، وهذا هو قول الجمهور، وابن عبّاس رضي الله عنهما… وغيرهم.
المعنى الثّاني: إذا وقع النّسيان لشيء، ثمّ تذكرت أنّك لم تقل: إن شاء الله؛ فقل: مثلاً سبحان الله، لا إله إلا الله، أستغفر الله؛ لأنّ النّسيان من الشّيطان، وذكر الله يطرد الشّيطان.
وانتبه إلى هذه الآيات الثّلاثة الّتي تشير إلى علاقة النّسيان بالشّيطان: وأنه قد يكون السبب في النّسيان: {وَإِمَّا يُنْسِيَنَّكَ الشَّيْطَانُ فَلَا تَقْعُدْ بَعْدَ الذِّكْرَى مَعَ الْقَوْمِ الظَّالِمِينَ} [الأنعام: ٦٨]، {وَمَا أَنْسَانِيهُ إِلَّا الشَّيْطَانُ أَنْ أَذْكُرَهُ} [الكهف: ٦٣]، {اسْتَحْوَذَ عَلَيْهِمُ الشَّيْطَانُ فَأَنسَاهُمْ ذِكْرَ اللَّهِ} [المجادلة: ١٩].
وأمّا الحكمة من إبطاء نزول الوحي جبريل -عليه السلام- على رسول الله -صلى الله عليه وسلم-؛ فالله سبحانه وحده يعلم ذلك، ومع ذلك فقد فسر ذلك الإبطاء بعدة احتمالات:
الاحتمال الأوّل: لتعلم قريش، أو غيرهم: أنّ الرّد على أسئلَتهم، أو عدم الرّد: هو بيد الله وحده، وليس بيد الرّسول -صلى الله عليه وسلم-؛ فإن شاء الله فعل، أو إن لم يشأ لم يفعل.
الاحتمال الثّاني: لتعلم قريش، أو غيرهم: أن رسول الله -صلى الله عليه وسلم- إن هو إلا وحي يوحى؛ فهو لا يأتي بشيء من عنده، ومن تلقاء نفسه إلا أن يشاء الله وحين يشاء الله سبحانه.
الاحتمال الثّالث: ليعلمنا ربنا أن نقول: إن شاء الله في كلّ أمر يراد القيام به، ولا ننسى ذلك وأن نتوكل على الله وحده.
{وَقُلْ}: يا محمّد -صلى الله عليه وسلم-.
{عَسَى}: من أفعال الرّجاء؛ سواء يرجى حصوله عن قريب، أو بعيد، وما بعدها متحقق الوقوع غالباً.
{أَنْ}: للدلالة على الاستقبال.
{يَهْدِيَنِ رَبِّى لِأَقْرَبَ مِنْ هَذَا رَشَدًا}: أي: يرشدني ربي إلى شيء آخر غير قصة أصحاب الكهف أقرب في الدّلالة وأوضح يدل على نبوتي لهؤلاء المشركين من قريش؛ أي: من الغيبيات (علم الغيب)، أو قصص الأنبياء الآخرين، وغيرها أعظم خبراً من أصحاب الكهف؛ فاستجاب له ربه فأخبره بقصة موسى، والخضر الّتي سترد في الآيات القادمة, ويهدين: بحذف ياء المتكلم لأنها هداية شاملة عامة له ولغيره أن يهديهم ربهم هداية الدين. ارجع إلى سورة القصص آية (٢٢) للمقارنة.
لنقارن هذه الآية (٢٤) من سورة الكهف: {وَقُلْ عَسَى أَنْ يَهْدِيَنِ رَبِّى لِأَقْرَبَ مِنْ هَذَا رَشَدًا}، وقوله في الآية (٢٢) من سورة القصص: {قَالَ عَسَى رَبِّى أَنْ يَهْدِيَنِى سَوَاءَ السَّبِيلِ}.
الاختلاف بين الآيتين يرجع إلى تقديم الهداية (أن يهدين) على كلمة ربي في الكهف، وتقديم كلمة (ربي) على أن يهديني في القصص، وكلمة يهدين في الكهف بدون ياء، ويهديني في القصص بزيادة الياء.
هذا الاختلاف يعود إلى أنّ المقام في سورة القصص يعود إلى كون موسى كان خائفاً، ولا يعرف الطّريق إلى مدين؛ فهو يطلب النّجاة، والحماية، والهداية من الرّب؛ فقدم كلمة ربي؛ لأنّ الرّب هو الهادي؛ أي: مصدر الهداية، ولم يقل: الله؛ لأنّ الله هو المعبود، والمقام مقام هداية، وليس عبودية.
ثانياً: قال يهديني بإضافة ياء المتكلم؛ لأنّ موسى يطلب الهداية الكاملة التّامة؛ لكونه لا يعرف أي شيء عن الطّريق، وأين هو ذاهب.
أمّا آية الكهف جاءت في سياق نسيان رسول الله -صلى الله عليه وسلم- أن يقول: إن شاء الله، وطلب الرّسول أن يهديه ربه إلى دلالة، أو برهان أقرب من قصة أصحاب الكهف؛ تدل على نبوته، فقصة أصحاب الكهف تكفي، ولكن يطلب قصةً أشد تبين نبوته لقريش فجاءت قصة موسى والخضر؛ فهو يطلب دلالة، أو هداية جزئية، ولذلك حذف الياء، وأخر كلمة ربي؛ لأنّ الموقف لا يقارن بموقف موسى الخائف من أن يضل الطّريق، والقتل، والرّسول -صلى الله عليه وسلم- ليس في مقام الخوف، أو القتل، كما هو الحال في موسى -عليه السلام- .