للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

مسار الصفحة الحالية:

سورة الأحزاب [٣٣: ٦]

{النَّبِىُّ أَوْلَى بِالْمُؤْمِنِينَ مِنْ أَنفُسِهِمْ وَأَزْوَاجُهُ أُمَّهَاتُهُمْ وَأُولُو الْأَرْحَامِ بَعْضُهُمْ أَوْلَى بِبَعْضٍ فِى كِتَابِ اللَّهِ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ وَالْمُهَاجِرِينَ إِلَّا أَنْ تَفْعَلُوا إِلَى أَوْلِيَائِكُم مَّعْرُوفًا كَانَ ذَلِكَ فِى الْكِتَابِ مَسْطُورًا}:

{النَّبِىُّ أَوْلَى بِالْمُؤْمِنِينَ مِنْ أَنفُسِهِمْ}: أولى: أحق، ولهذه الآية عدة معانٍ، منها:

١ - إذا دعاهم الرّسول إلى شيء مثل الخروج في سبيل الله ودعتهم أنفسهم إلى شيء آخر كانت طاعته أولى (أحق) من طاعة أنفسهم، أيْ: إذا تعارض مراد الرّسول مع مراد أحد من النّاس أن يقدم مراد الرّسول كائناً من كان، وأن يفدوه بأنفسهم وأموالهم وأولادهم، أي: الرّسول أوّلاً وأنفسهم ثانياً.

٢ - أيْ: له الحق أن يحكم فيهم بما يشاء أو يقضي بينهم بما يشاء، أيْ: حق النّبي من أعظم الحقوق.

٣ - أولى بالمؤمنين، أيْ: أرق وأرحم بهم وأعطف عليهم من أنفسهم؛ لأنّ أنفسهم قد تدعوهم إلى الهلاك والنّبي يدعوهم عادة إلى النّجاة؛ لأنّه بالمؤمنين رؤوف رحيم.

٤ - إذا مات المسلم دون أن يؤدِّي ما عليه من الدّين كان -صلى الله عليه وسلم- يتحمل الدّين عمن يموت ويؤدِّي عنه دينه.

{وَأَزْوَاجُهُ أُمَّهَاتُهُمْ}: تشبيه بليغ، أيْ: مثل أمهاتهم في الاحترام والتّعظيم وحرمة النّكاح، والأم: تعني الوالدة.

فلا يحل لأحد من الخلق أن يتزوج بواحدة من أمّهات المؤمنين (زوجات الرّسول -صلى الله عليه وسلم- كما لا يحل له أن يتزوج بأمّه.

يجب تعظيمهنَّ واحترامهنَّ وعدم الطّعن بأي واحدة منهنَّ احتراماً للنّبي -صلى الله عليه وسلم- سواء مات عنها النّبي أو لم يمت.

{وَأُولُو الْأَرْحَامِ}: الأقارب.

{بَعْضُهُمْ أَوْلَى بِبَعْضٍ}: أولى بميراث بعضهم بعضاً في حق الإرث.

{فِى كِتَابِ اللَّهِ}: في شرع الله أو في القرآن الكريم أو اللوح المحفوظ.

{مِنَ الْمُؤْمِنِينَ وَالْمُهَاجِرِينَ}: بالمؤاخاة أو بالمهاجرة، فالمؤاخاة والمهاجرة لا تعطي حق الإرث للمسلم، كما كان في مطلع الإسلام، إذن الأقارب أحق بالإرث من المؤمنين المهاجرين بالحلف أو المؤاخاة والمهاجرة، فما حدث أنّ المهاجرين لما هاجروا من مكة إلى المدينة تركوا أموالهم وأهلهم وديارهم ولم يشأ الأنصار أن يتركوهم من دون مساعدة أو مال، فكانوا من شدة إيثارهم لإخوانهم يقدِّمون لهم نصف أموالهم وممتلكاتهم، وحين ألف وآخى رسول الله -صلى الله عليه وسلم- بين المهاجرين والأنصار اقتضت هذه المؤاخاة أن يرث المهاجر أخاه الأنصاري، فلما أعز الله الإسلام والمسلمين وأوجد له طرق العيش أراد الحق سبحانه أن تعود الأمور إلى طبيعتها، ولم يعد هناك ضرورة؛ لأن يرث المهاجر أخاه الأنصاري، فجاءت هذه الآية فقالت: وأولو الأرحام بعضهم أولى ببعض.

{إِلَّا أَنْ تَفْعَلُوا إِلَى أَوْلِيَائِكُم مَّعْرُوفًا}: إلا أداة استثناء، أن تفعلوا: أن تعليلية، تفعلوا إلى أوليائكم معروفاً: هنا ترك الله سبحانه باب الإحسان مفتوحاً، فقال: أيّها الأنصار أو المؤمنين عامة إذا أردتم أن تحسنوا إلى إخوانكم المؤمنين أو المهاجرين بالوصية، فذلك جائز ومسطور في اللوح المحفوظ، أيْ: مكتوب، والقريب أولى بالوصية من الأجنبي إذا كان القريب لا يرث، وهذا يعرف باسم الولاية بالدّين.

{كَانَ ذَلِكَ فِى الْكِتَابِ مَسْطُورًا}: ذلك اسم إشارة على ما ذكر من حق الوراثة والإحسان إلى الإخوان المؤمنين في الدّين مكتوباً ومسطوراً في اللوح المحفوظ أو في القرآن الكريم، ومسطوراً: لا يحل تبديله أو تغييره.