للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

مسار الصفحة الحالية:

سورة البقرة [٢: ٢٠٧]

{وَمِنَ النَّاسِ مَنْ يَشْرِى نَفْسَهُ ابْتِغَاءَ مَرْضَاتِ اللَّهِ وَاللَّهُ رَءُوفٌ بِالْعِبَادِ}:

بعد ذكر صفات المنافق الأخنس بن شريق يذكر لنا هنا صفات الّذي يشري نفسه ابتغاء مرضات الله، وهو كما قال أكثر المفسرون أمثال صهيب بن سنان الرّومي.

{وَمِنَ النَّاسِ}: من: ابتدائية، النّاس: ارجع إلى الآية (٢١) من نفس السورة للبيان.

{مَنْ يَشْرِى نَفْسَهُ}: من: ابتدائية، اسم موصول للعاقل، وتشمل المفرد، والمثنى، والجمع.

{يَشْرِى}: لها معنيان: باع نفسه ابتغاء مرضات الله، وأخذ عوضها «أي: اشترى» الجنة لنفسه، أو اشترى نفسه؛ أي: النّفس الإيمانية «المؤمنة»، وضحَّى بالمال في سبيل إبقائها حية.

{ابْتِغَاءَ مَرْضَاتِ اللَّهِ}: {ابْتِغَاءَ}: طلباً، {مَرْضَاتِ اللَّهِ}: جمع مرضية؛ قلبت الياء ألفاً فأصبحت مرضاة على وزن مفعلة، ومرضاة مصدر ميمي من رضي، وتختلف عن الرضوان، فالرضوان أعظم الرضى، ويخص الله تعالى وحده، وأما المرضاة فقد تكون من الله سبحانه، أو من غيره؛ أي: ليست مختصة بالله وحده؛ أي: طلباً لكل أنواع رضى الله ومحبته.

وسبب نزول هذه الآية: كما قال أكثر المفسرين: أنّ الصّحابي صهيب بن سنان الرّومي لما أراد الهجرة إلى المدينة؛ ليلحق برسول الله -صلى الله عليه وسلم- منعته قريش، وعذبوه، وكان شيخاً كبيراً، وعنده المال، وقالت له قريش: كيف تخرج من مكة بمالك، ونفسك إلى محمّد -صلى الله عليه وسلم-.

عندها قال لهم: خذوا مالي، وخلوا سبيلي، وقبلوا بذلك، وعندها نزل جبريل بهذه الآية على قلب الرّسول -صلى الله عليه وسلم- يخبره بما فعل صهيب الرّومي، وكان يكنى بأبي يحيى، فعندما أخبر جبريل الرّسول بقصته صاح رسول الله -صلى الله عليه وسلم-، وقال: «ربح البيعُ أبا يحيى ربح البيعُ أبا يحيى».

{وَاللَّهُ رَءُوفٌ بِالْعِبَادِ}: ليت كلّ مؤمن يكون مثل أبا يحيى «صهيب الرّومي»، ويضحِّي بماله، ونفسه ابتغاء مرضات الله، ولكن قليلاً من هم أمثال أبي يحيى، ورغم ذلك يبقى الله رؤوفاً بعباده، ولا يسألهم أن يكونوا كذلك، والرّأفة: أخص من الرّحمة، الرّحمة: تكون للمؤمن، والكافر، والرّأفة: فقط للمؤمن، والرّأفة: أشد من الرّحمة، الرّحمة: أوسع من الرّأفة، الرّأفة: رفع المكروه «إزالة الضّرر»، الرّحمة: رفع الضرر، وفعل الإحسان.

{بِالْعِبَادِ}: الباء: للإلصاق، وبما أنّ الله سبحانه لا يطلب من كلّ مسلم، أو مؤمن أن يضحي بماله، ونفسه فهو رؤوف بالعباد، والعبرة بعموم اللفظ، وليس بخصوص السبب، وقال تعالى: والله رؤوف بالعباد، ولم يقل: والله رؤوف رحيم.