للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

مسار الصفحة الحالية:

سورة آل عمران [٣: ١٠٢]

{يَاأَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ حَقَّ تُقَاتِهِ وَلَا تَمُوتُنَّ إِلَّا وَأَنْتُمْ مُّسْلِمُونَ}:

{يَاأَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا}: نداء جديد إلى الذين آمنوا بالتقوى، وإسلام الوجه لله، استعمل فيها يا النداء: للبعد، والها: للتنبيه.

{اتَّقُوا اللَّهَ حَقَّ تُقَاتِهِ}: اتقوا الله: أطيعوا أوامر الله، واجتنبوا نواهيه. حق: من الحق: وهو الوجوب، والثبوت، والحق: هو الصدق هو كل أمر ثابت لا يتغير. حق تقاته؛ أي: اتقوه اتقاءً حقاً، أو اتقوه التقوى الواجبة؛ أي: ابذلوا جهدكم، أو أقصى استطاعتكم في طاعة الله، وذكره، وشكره، وعبادته، والإيمان التام الكامل، فلا تؤمنوا ببعض، وتكفروا ببعض، والإحسان، والرضا، والصبر، والشكر.

{وَلَا}: الواو: عاطفة. لا: الناهية.

{تَمُوتُنَّ}: النون في تموتن؛ للتوكيد.

{إِلَّا}: أداة حصر.

{وَأَنْتُمْ}: ضمير منفصل يفيد التوكيد.

{مُّسْلِمُونَ}: أي: مخلصون، موحِّدون بالاستسلام لله تعالى، وقضائه، وقدره في تلك اللحظات الحرجة، أو الساعة الرهيبة، وقوله: وأنتم مسلمون: تدخل في سياق: اتقوا الله حق تقاته، وكأنه خص التوحيد، والإخلاص؛ أي: ذكر الخاص بعد العام؛ للتوكيد على أهمية لا إله إلا الله، واليقين برحمة الله تعالى وعدله، وتجنب الشيطان، أو الشك، وعدم الزيع، والدعاء: ربنا لا تزغ قلوبنا بعد إذ هديتنا، وهب لنا من لدنك رحمة.

فالإيمان درجات تبدأ بالإسلام، ثم ترتفع إلى درجة الإيمان، ثم ترتفع إلى درجة التقوى، ثم ترتفع إلى درجة الإحسان، ثم الإسلام، وهو إسلام الوجه، ويعني: الإخلاص التام، وأن يعبد الله كأنه يراه.

ومن معاني حق تقاته: طاعة صادقة مخلصة مستمرة حتى الموت.

ويجب العلم أنه لا يوجد بشر يستطيع أن يتقي الله التقوى التي تليق بجلاله وعظمته، ولو سجد وصلى وصام وأطاع الله وعبده في كل ثانية ولحظة في حياته حتى مماته.

وأما قوله تعالى: {فَاتَّقُوا اللَّهَ مَا اسْتَطَعْتُمْ} [التغابن: ١٦]: معناها نفس معنى الآية: {اتَّقُوا اللَّهَ حَقَّ تُقَاتِهِ}؛ لأن قوله: ما استطعتم؛ أي: ما في وسعكم، وجهدكم، وطاقتكم، فلا يظن أحد كما ظن البعض: أن الاستطاعة في هذه الآية هي أقل درجة من حق تقاته في الآية الأولى، ولا شك أن لكل إنسان طاقة وسعة محددة.

والذي يحدد الاستطاعة هو الله؛ أي: المشرع؛ فلا يصح للعبد أن يحدد الاستطاعة بنفسه، أو القدرة، ولا ينسى أن الله سبحانه رخص للمريض والمسافر وللمرأة في حالة حيضها ونفاسها وحملها برخص؛ لأنه عليم حكيم، وغفور رحيم، وأكثر العلماء متفق على أن الآية: {اتَّقُوا اللَّهَ حَقَّ تُقَاتِهِ}: لم تنسخ بالآية: {فَاتَّقُوا اللَّهَ مَا اسْتَطَعْتُمْ}؛ كما ظن البعض الآخر.