للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

مسار الصفحة الحالية:

سورة سبأ [٣٤: ٤٣]

{وَإِذَا تُتْلَى عَلَيْهِمْ آيَاتُنَا بَيِّنَاتٍ قَالُوا مَا هَذَا إِلَّا رَجُلٌ يُرِيدُ أَنْ يَصُدَّكُمْ عَمَّا كَانَ يَعْبُدُ آبَاؤُكُمْ وَقَالُوا مَا هَذَا إِلَّا إِفْكٌ مُّفْتَرًى وَقَالَ الَّذِينَ كَفَرُوا لِلْحَقِّ لَمَّا جَاءَهُمْ إِنْ هَذَا إِلَّا سِحْرٌ مُبِينٌ}:

المناسبة: بعد قوله: ذوقوا عذاب النّار الّتي كنتم بها تكذبون، ولم تكذبوا بالنّار فقط بل كذبتم كذلك برسولنا محمّد -صلى الله عليه وسلم- وكذبتم بالقرآن وآياته حين كانت تتلى عليكم.

{وَإِذَا تُتْلَى عَلَيْهِمْ آيَاتُنَا بَيِّنَاتٍ}: وإذا: الواو استئنافية، إذا: ظرفية شرطية تفيد الحتمية حتمية حدوث ما يذكر بعدها وهي التّلاوة، تتلى: من التّلاوة: والتّلاوة تخص القرآن وآياته وهي: قراءة الآيات الآية تلو الأخرى، وتتلى بصيغة المضارع تدل على التّجدد والتّكرار، بينما "تليت عليهم آياته" تعني مرة واحدة، عليهم: على المشركين والكفار، آياتنا: آيات القرآن الحكيم، وقوله: "آياتنا" تفيد الشّرف شرف هذه الآيات وقدرها العظيم عند الله تعالى ولم يقل وإذا تتلى عليهم الآيات، بينات: واضحات الدّلالة وظاهرات المعنى.

{قَالُوا}: أي الّذين كفروا وأشركوا.

{مَا هَذَا}: ما: للنفي، وغالباً ما تكون لنفي الحال وقد تنفي غيره وأقوى في النّفي من ليس، هذا: الهاء للتنبيه، ذا اسم إشارة للقرب وتعني النّبي رسول الله -صلى الله عليه وسلم- وهم لا يقولون النّبي أو الرّسول وإنما: رجل.

{إِلَّا رَجُلٌ}: إلا: أداة حصر، رجل: أي محمّد -صلى الله عليه وسلم-، رجل: بصيغة النّكرة ينكرون نبوته؛ أي: هو رجل كأيّ رجل وليس له أيّ مزية خاصة، ونسوا أنّهم كانوا يلقبونه: الصّادق الأمين.

{يُرِيدُ أَنْ يَصُدَّكُمْ}: أن: حرف مصدري يفيد التّوكيد والتّعليل، يصدكم: من الصّد: أي المنع؛ أي يمنعكم أو يصرفكم، والصّد يعني: المنع مع النّية والقصد، والمنع قد يكون مع القصد أو بدون قصد.

{عَمَّا كَانَ يَعْبُدُ آبَاؤُكُمْ}: عن تفيد المجاوزة والمباعدة، أي يبعدكم عن، ما: للعاقل وغير العاقل، وهي اسم موصول بمعنى الّذي يعبد (أنزل الأصنام منزلة العقلاء) لأنّهم يعبدونها ويظنون أنها تشفع لهم، كان: للماضي والحاضر، آباؤكم: من الأصنام والأوثان والآلهة واللات والعزى.

{وَقَالُوا مَا هَذَا إِلَّا إِفْكٌ مُّفْتَرًى}: ارجع إلى مطلع الآية، إلا: أداة حصر، إفك مفترى: أي القرآن ما هو إلا كذب متعمد مفترى؛ أي: لا حقيقة له، أي مختلق، والإفك يعني في الأصل: قلب الحقيقة، وقد بيّن ذلك في آيات أخرى كقوله تعالى: {وَقَالَ الَّذِينَ كَفَرُوا إِنْ هَذَا إِلَّا إِفْكٌ افْتَرَاهُ وَأَعَانَهُ عَلَيْهِ قَوْمٌ آخَرُونَ} [الفرقان: ٤]، {وَإِذْ لَمْ يَهْتَدُوا بِهِ فَسَيَقُولُونَ هَذَا إِفْكٌ قَدِيمٌ} [الأحقاف: ١١].

{وَقَالَ الَّذِينَ كَفَرُوا لِلْحَقِّ لَمَّا جَاءَهُمْ}: للقرآن والرّسول أو لدين الإسلام، لما: ظرفية زمانية بمعنى: حين جاءهم، للحق: اللام لام التّوكيد، والحق هو: الصدق والأمر الثّابت الّذي لا يتغير، والذي ليس هناك غيره.

{إِنْ هَذَا}: إن نافية وأشد نفياً من ما وليس ولا.

{إِلَّا سِحْرٌ مُبِينٌ}: إلا أداة حصر؛ أي: القرآن أو الرّسول سحر لما رأوا تأثيره القوي في النّفوس والقلوب وكانوا يظنون أن كلّ شيء خارق للعادة سحر كما يؤثّر السّحر في الأنفس.

سحر مبين: سحر ظاهر بيّن لكلّ فرد لا يخفى على أحد، وسحر لا يحتاج إلى برهان لإثبات أنّه سحر، ولمعرفة تعريف السّحر ارجع إلى الآية (٥٨) من سورة طه للبيان، وتكرار "قالوا" وقال الّذين كفروا: يدل على ما في صدورهم من إنكار وإعراض شديد عن الرّسول -صلى الله عليه وسلم- والقرآن والدّين.