سورة الزمر [٣٩: ٣٨]
{وَلَئِنْ سَأَلْتَهُم مَّنْ خَلَقَ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضَ لَيَقُولُنَّ اللَّهُ قُلْ أَفَرَءَيْتُم مَا تَدْعُونَ مِنْ دُونِ اللَّهِ إِنْ أَرَادَنِىَ اللَّهُ بِضُرٍّ هَلْ هُنَّ كَاشِفَاتُ ضُرِّهِ أَوْ أَرَادَنِى بِرَحْمَةٍ هَلْ هُنَّ مُمْسِكَاتُ رَحْمَتِهِ قُلْ حَسْبِىَ اللَّهُ عَلَيْهِ يَتَوَكَّلُ الْمُتَوَكِّلُونَ}:
{وَلَئِنْ}: اللام للتوكيد، إن شرطية تفيد الاحتمال أو النّدرة.
{سَأَلْتَهُم مَّنْ خَلَقَ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضَ لَيَقُولُنَّ اللَّهُ}: الخطاب موجَّه إلى رسول الله -صلى الله عليه وسلم- وغيره من المؤمنين، اللام للتوكيد والنّون في ليقولن لزيادة التّوكيد، من: استفهامية، خلق السّموات والأرض: ارجع إلى سورة فصلت آية (٩ - ١٢) وسورة الأنبياء آية (٣٠) فهم يعترفون ويقرون بأنّ الخالق هو الله، ومع ذلك لا يعتبرون ذلك دليلاً على وحدانيته وقدرته، فيلجؤون إلى عبادة الأصنام والآلهة ظانين أنّها تشفع لهم أو تقرِّبهم عند الله زلفى، وما لهم بذلك من علم إلا اتباع الظّن.
ثم يطلب من رسول الله -صلى الله عليه وسلم- أن يسألهم سؤالاً آخر.
{قُلْ أَفَرَءَيْتُم مَا تَدْعُونَ مِنْ دُونِ اللَّهِ}: أفرأيتم: الهمزة للاستفهام التّقريري والإنكار، أرأيتم: أيْ: أخبروني بعلم، ما: لغير العاقل وتشمل العاقل.
{تَدْعُونَ مِنْ دُونِ اللَّهِ}: ما تعبدون من دون الله من الأصنام والآلهة وعيسى وعزير والملائكة.
{إِنْ أَرَادَنِىَ اللَّهُ بِضُرٍّ}: إن شرطية تفيد الاحتمال أو الفرض وتدل على النّدرة والقلة في الحدوث، بضُر: بضم الضّاد الباء للإلصاق، بضر بصيغة النّكرة لتشمل كلّ أنواع الضّر من مرض وفقر وشدة وخوف. وأما الضَّر: بفتح الضّاد: فضد النّفع.
{هَلْ}: للاستفهام تفيد النّفي.
{هُنَّ كَاشِفَاتُ ضُرِّهِ}: هل الأصنام والأوثان قادرة على أن تزيل ضُره أو ترفعه عنهم.
{أَوْ أَرَادَنِى بِرَحْمَةٍ}: من صحة أو غنى أو خير أو أمن أو أي رحمة مهما كانت.
{هَلْ هُنَّ مُمْسِكَاتُ رَحْمَتِهِ}: أيْ: مانعات رحمته أن تصل إلى العبد الجواب لا واستعمل صيغة التّأنيث؛ لأنّهم كانوا يسمون الآلهة باللات والعزة ومناة الأخرى تسمية الأنثى، وتكرار (هل هن مرتين) يفيد التّوكيد ونفي كلٍّ منهما على حِدَةٍ كشف الضّر أو الإصابة برحمته أو كلاهما.
{قُلْ حَسْبِىَ اللَّهُ عَلَيْهِ يَتَوَكَّلُ الْمُتَوَكِّلُونَ}: الخطاب موجَّه إلى رسول الله -صلى الله عليه وسلم- إن أجابوك بقولهم بلا فهم قد أقروا بالحق، وإن لم يجيبوك أو امتنعوا عن الإجابة، فقل عندها: حسبي الله، أيْ: يكفيني الله في دفع الضّر عني أو جلب الخير لي أو الرّحمة؛ لأنّ هذا الجواب يقيم عليهم الحُجَّة وما أنت بحاجة إلى أحد سواه أبداً.
{عَلَيْهِ يَتَوَكَّلُ الْمُتَوَكِّلُونَ}: تقديم الجار والمجرور للدلالة على القصر أيْ: عليه وحده يتوكل المتوكلون، جمع متوكل، المتوكلون أعلى درجة من المؤمنين، فكل متوكِّل مؤمن، وليس كلّ مؤمن متوكِّلاً.
ويتوكل المتوكلون: بصيغة المضارع؛ لأنّ عملية التّوكل مستمرة ودائمة لا تتوقف والتّوكل يعني: تقديم كلّ الأسباب أولاً، ثم تفويض الأمر لله حتّى يساعدك على تحقيق الغاية المرجوة. ارجع إلى سورة الأعراف آية (٨٩) لبيان المزيد في معنى التوكل.