{أَرْسَلْنَا رُسُلَنَا}: من الإرسال، ارجع إلى الآية (١١٩) من سورة البقرة، ولم يقل: ثمّ بعثنا، ولا يرسل الرّسل عادة إلا بعد أن يعم الفساد والباطل والشّرك والمعاصي.
{تَتْرَا}: أصلها: وَتْرَى؛ تعني: تعاقب + انقطاع في الزمن؛ من الوتر: وهو الفرد، والمواترة: وهي التتابع مع التراخي في الزمن؛ متتابعين واحداً إثرَ الآخر مع انقطاع في الزمن أي دهراً.
{كُلَّ مَا}: كل: لفظ يدل على التوكيد على العموم؛ أي: يفيد الاستغراق والإحاطة بجميع الرسل (أو الأفراد)، وما: المصدرية الظّرفية أداة شرط تفيد التّكرار. وفصل بين: كل وما، ولم يجمع بينهما بالقول، كلما إشارة إلى الفاصل الزمني بين كل رسول ومن يأتي بعده.
{جَاءَ أُمَّةً رَسُولُهَا كَذَّبُوهُ}: جاء أمة رسولها ليخرجها من الظّلمات إلى النّور، وليبيِّن لهم ما أُنزل إليهم من ربهم، كذبوه: لم يصدِّقوه، واستمروا على حالهم في الضلال والعناد والتحدِّي. والأمة: تطلق على مجموعة من الناس بغض النظر عن العدد والحيز الجغرافي.
{فَأَتْبَعْنَا بَعْضَهُم بَعْضًا}: الفاء للترتيب والتّعقيب، أتبعنا بعضهم بعضاً، أيْ: أهلكنا الواحد تلوَ الآخر.
{وَجَعَلْنَاهُمْ أَحَادِيثَ}: أحاديث جمع حديث، وأحاديث إذا أطلقت لا تقال إلا في سياق الشّر إلا إذا كان مقيداً، وأحاديث جمع أحدوثة، وهو ما يتحدَّث به النّاس ويكثرون الكلام عنه للتعجب، أو اللهو، أو العبرة، أو المثل، أيْ: أهلكناهم ولم يبق بين النّاس إلا أخبارهم يتلهون بها ويتحدثون عنها يقصُّونها على الغير، أيْ: لم يبق لهم أثر إلا قصصهم.
{فَبُعْدًا لِّقَوْمٍ لَا يُؤْمِنُونَ}: بُعداً لهم عن رحمة الله تعالى أو هلاكاً لهم لعدم إيمانهم، وبُعداً: لها معنيان أولاً: هناك بُعداً بعده لقاء. ثانياً: هناك بُعداً ليس بعده لقاء؛ أي: بلا عودة. لقوم: اللام لام الاختصاص، قومٍ: هنا نكرة؛ لأنّه سبقها قوله: قروناً آخرين، ولم يحدِّد من هؤلاء، بينما حينما قال في الآية (٤١){فَبُعْدًا لِّلْقَوْمِ الظَّالِمِينَ} القوم هنا معرفة محدَّدة بأل التّعريف وهم قوم هود، وقيل: قوم صالح، وفي هذه الآية تعني هلاكاً لأي قوم لا يؤمنون بالله تعالى.