سورة الإسراء [١٧: ٨٥]
{وَيَسْـئَلُونَكَ عَنِ الرُّوحِ قُلِ الرُّوحُ مِنْ أَمْرِ رَبِّى وَمَا أُوتِيتُمْ مِنَ الْعِلْمِ إِلَّا قَلِيلًا}:
{وَيَسْـئَلُونَكَ}: الواو: تدل على أنهم سألوا رسول الله -صلى الله عليه وسلم- عدة أسئلة في آن واحد، ولو قال تعالى يسئلونك عن الروح (بدون الواو العاطفة) لدلت على أنهم سألوه سؤالاً واحداً فقط؛ فقد سألوه عن أصحاب الكهف، وعن ذي القرنين، وعن الروح في آن واحد، والسائل هم قريش، ويسألونك؛ تعني: مباشرة؛ أي: السائل يقف أمام المسؤول، والسؤال يراد به اختبار رسول الله -صلى الله عليه وسلم-: هل هو نبي، أم لا؟ وليس للتعلم، وكشف الجهل، والمعرفة.
والروح هنا: يقصد بها الروح الّتي تمد الجسم بالحياة؛ يسألونه عن ماهيتها، وحقيقتها؛ فرد الله سبحانه على هذا السؤال بقوله:
{قُلِ الرُّوحُ مِنْ أَمْرِ رَبِّى}: من أمر؛ أي: من شأن ربي، أو اختصاصه.
{وَمَا أُوتِيتُمْ مِنَ الْعِلْمِ إِلَّا قَلِيلًا}: ما: النّافية.
{أُوتِيتُمْ}: أعطيتم من العلم بالنسبة للروح؛ إلا قليلاً.
{إِلَّا}: أداة حصر.
{قَلِيلًا}: الشّيء القليل.
إذن: نحن أوتينا شيئاً قليلاً من العلم عن الروح أمثلة متى تنفخ الروح في الجنين، وماذا يحدث للجسم إذا خرجت منه الروح، وهذه الروح لا يعلم كنهها إلا الله وحده سبحانه، وتشير البحوث العلمية الأخيرة، والدراسات القرآنية إلى وجود اختلاف بين الروح والنفس، وأن الروح شيء، والنفس شيء آخر، والروح تسري في كل الجسم، وتبقى بعد توقف، أو تعطل عمل النفس؛ هذه النفس ربما هي الّتي تتمثل فيما يسمى جهاز لمبيك في الدماغ، وتتكون من عدة أجزاء، وظائفها الوعي، والإدراك، واتخاذ القرارات، والذاكرة الطويلة والقصيرة، والذاكرة الجديدة والقديمة، والسرور، والعاطفة، والسمع، والبصر، والسلوك، والشعور، والناحية الجنسية… وغيرها.
والروح شيء أساسي، وضروري للنفس؛ لكي تؤدي وظيفتها.
ويمكن إيقاف، أو تعطيل النفس عن العمل في حالتي الموت، والنوم، أو التخدير العام؛ للقيام بالعمل الجراحي، أو إصابة الدماغ بحادثة تؤدي إلى السبات، وتعطيل عمل النفس الّذي قد يدوم أسابيع عدة، ثم يصحو الإنسان، ولا يذكر ما حدث له.
أما الروح: لا تُوقف، ولا تُعطل، وإنما تنزع، أو تنشط نشاطاً من الجسم، كما قال تعالى: {وَالنَّازِعَاتِ غَرْقًا وَالنَّاشِطَاتِ نَشْطًا} [النازعات: ١-٢]، وذلك عند الموت من قبل الملائكة، أو ترغم على ترك الجسم بالقتل، وإذا خرجت الروح من البدن يعني: الموت.
وأما النفس: لا تخرج من البدن، وإنما تتوفى تتوقف عن العمل عند النوم، أو تعطل عن العمل، وتتوقف أو تتوفى عند خروج الروح من البدن؛ أي: عند الموت؛ كقوله تعالى: {اللَّهُ يَتَوَفَّى الْأَنفُسَ حِينَ مَوْتِهَا وَالَّتِى لَمْ تَمُتْ فِى مَنَامِهَا}، وبعد النوم (الوفاة، أو التعطيل) تعود النفس إلى العمل؛ لأن الروح ما زالت في البدن. ارجع إلى سورة الزمر، آية (٤٢)؛ لمزيد من البيان.
وحين الموت تخرج الروح من البدن مما يؤدي إلى توقف عمل النفس، وعمل الأعضاء كاملة: القلب، وجهاز التنفس، والدماغ، وتنتهي مرحلة الحياة الدّنيا.