سورة الأنعام [٦: ٨٠]
{وَحَاجَّهُ قَوْمُهُ قَالَ أَتُحَاجُّونِّى فِى اللَّهِ وَقَدْ هَدَانِ وَلَا أَخَافُ مَا تُشْرِكُونَ بِهِ إِلَّا أَنْ يَشَاءَ رَبِّى شَيْـئًا وَسِعَ رَبِّى كُلَّ شَىْءٍ عِلْمًا أَفَلَا تَتَذَكَّرُونَ}:
بعد أن برهن وبين إبراهيم -عليه السلام- لهؤلاء الذين يعبدون الكواكب والنجوم من دون الله أن عبادتهم باطلة، ولا تضر، ولا تنفع، وأقام عليهم الحُجَّة، لم يقتنع هؤلاء بما قاله إبراهيم، وبدلاً من الإذعان والصمت واتباعه؛ راحوا يجادلونه في عبادتهم لغير الله، وحاولوا أن يخوفوه بها، ومن انتقامها، لكن إبراهيم -عليه السلام- لم يخف، وثبت أمامهم.
{وَحَاجَّهُ قَوْمُهُ}: أيْ: في العبادة، والتوحيد، وعبادة الأصنام، وغيرها، والحجاج: هو أن يقول كل طرف حجته، والطرف الآخر يرد عليه؛ ليبطل حجته.
{وَقَدْ هَدَانِ}: قد: للتحقيق، والتوكيد، {هَدَانِ}: إلى توحيده وعبادته.
وحذف الياء من هدان، ولم يقل: هداني؛ لأن الهداية عند إبراهيم تمت منذ زمن طويل، ولم تحتاج إلى زمن طويل، أو تمت بالقليل من العلم، أو الآيات.
{وَلَا أَخَافُ مَا تُشْرِكُونَ بِهِ إِلَّا أَنْ يَشَاءَ رَبِّى شَيْـئًا}:
{وَلَا}: الواو: استئنافية. لا: النافية.
{أَخَافُ}: أخاف من الخوف.
الخوف: هو توقُّع أمرٍ مكروهٍ، أو شرٍّ مقبلٍ، لم يقع بعد ومشكوك في وقوعه، قد لا يكون لك القدرة على دفعه.
{مَا تُشْرِكُونَ بِهِ}: ما: للعاقل، وغير العاقل، تشركون بالله: من أوثان، وأصنام وغيرها.
{إِلَّا}: أداة استثناء.
{أَنْ}: حرف مصدري؛ يفيد التعليل، والتوكيد.
{يَشَاءَ رَبِّى شَيْـئًا}: شيئاً من الضرر، أو الخوف، و {شَيْـئًا}: نكرة، أيَّ شيء مهما كان نوعه وشدته.
فإن أصابني شيءٌ من الضرر، أو الخوف، فهذه من مشيئة الله تعالى.
{وَسِعَ رَبِّى كُلَّ شَىْءٍ عِلْمًا}: أيْ: أحاط علمه سبحانه بكل شيء، علماً تاماً، بما تشركون وبحالي.
{أَفَلَا تَتَذَكَّرُونَ}: أفلا: الهمزة تفيد الاستفهام، والإنكار عليهم وتوبيخهم على عدم تذكُّرهم، والتعجب منه، وتحضُّهم على ذلك التذكر، وفيها معنى الأمر.
{تَتَذَكَّرُونَ}: تستعمل للبحث الأطول الذي يحتاج إلى طول تأمل ونظر وتبصر، بينما تذكرون تستعمل للحدث الأقصر الذي يحتاج إلى زمن أقصر للتأمل والتبصر الذي فطركم، وفطر السموات والأرض، أفلا تتذكرون الميثاق الذي أخذه عليكم، ميثاق الذرِّ.
ولكن بدلاً من استعمال أفلا تذكرون، قال: {تَتَذَكَّرُونَ} بزيادة التاء؛ لأن قوم إبراهيم أبطلوا عقولهم، ويحتاجون إلى هزّة عنيفة، وزمن أطول، وتذكر عميق؛ لكي يرجعوا عن عبادتهم الكواكب، والشمس، والقمر إلى زمن أطول؛ للتذكر؛ حتى يرجعوا إلى صوابهم، وعبادتهم لله سبحانه.