لاحظ قوله تعالى: يحكم بينكم، ولم يقل يحكم بيننا وبينكم. هذا يدل على أنّ الجدال أو الخلاف القائم بينهم وبين رسول الله -صلى الله عليه وسلم- سيتوقف؛ لأنّه على الحق وهم على الباطل، ولأنّه أمر رسوله بالإعراض عنهم وردّهم إلى الاحتكام إلى الله وحده سبحانه، كما في الآية السّابقة، وتدل على أنّ الخلاف بينهم سيستمر حتّى يحكم الله بينهم يوم القيامة في الأمور الّتي اختلفوا فيها؛ لأنّهم اتبعوا الهوى والباطل، ولو اتبعوا ما أنزل الله لما حدث الاختلاف.
{اللَّهُ يَحْكُمُ بَيْنَكُمْ يَوْمَ الْقِيَامَةِ}: أي يقضي بينكم (الحكم هنا يعني القضاء) وليس الفصل؛ لأنّ الحكم يستعمل بين أفراد الأمة الواحدة، كما هو الحال في هذه الآية، والفصل يكون بين الأمم المختلفة أو بين الأنبياء والأمم، والفصل: يعني الحكم بأن يذهب فريق إلى الجنة وفريق إلى السّعير. ارجع إلى سورة الأنعام آية (٦٢) لمزيد من البيان.
{فِيمَا كُنتُمْ}: في الدّنيا.
{فِيهِ تَخْتَلِفُونَ}: من أمور الدّين، وهذا أدب ومنهاج يعلّمه الله سبحانه لعباده كيف يردّوا على من يجادلهم في أمور دينهم، وما ينبغي من جداله إلا إضاعة الوقت وعدم الاستماع إلى الحق، والسّمعة والرّياء بعدم مناظرته والابتعاد عنه والقول له: الله أعلم بما تعمل.