سورة آل عمران [٣: ١١٨]
{يَاأَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لَا تَتَّخِذُوا بِطَانَةً مِنْ دُونِكُمْ لَا يَأْلُونَكُمْ خَبَالًا وَدُّوا مَا عَنِتُّمْ قَدْ بَدَتِ الْبَغْضَاءُ مِنْ أَفْوَاهِهِمْ وَمَا تُخْفِى صُدُورُهُمْ أَكْبَرُ قَدْ بَيَّنَّا لَكُمُ الْآيَاتِ إِنْ كُنتُمْ تَعْقِلُونَ}:
{يَاأَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا}: نداء جديد إلى الذين آمنوا، استعمل فيها الهاء؛ للتنبيه.
{لَا}: الناهية.
{تَتَّخِذُوا}: الاتخاذ يعني: الجعل، أو التصيير؛ أي: لا تجعلوا.
{بِطَانَةً}: بطانة الرجل؛ أي: خاصته، وأصحابه المقربين الذين يسر إليهم أسراره، ويسمون كذلك وليجة، وبطانة: مشتقة من بطانة الثوب، وهي القماش الرقيق الذي يبطن به الثوب الداخلي، ويلتصق بجسم الإنسان، وشبه خاصة الرجل والمقربين إليه ببطانة الثوب؛ لأنهم قريبون منه يعرفون أسراره، وأعماله كقرب الثوب الباطن من صاحبه.
{مِنْ دُونِكُمْ}: من غيركم؛ أي: لا تتخذوا بطانة لكم من غير المؤمنين؛ كاليهود والمنافقين تسرون إليهم أخباركم، أو تطلعوهم على أسراركم.
{لَا}: النافية.
{يَأْلُونَكُمْ}: أصل الألو: التقصير، يقال: ألا في الأمر؛ أي: قصر فيه.
الخبال: هو الشر، والفساد، وبث الأكاذيب، والنميمة، (وقيل: اختلال العقل).
{يَأْلُونَكُمْ خَبَالًا}: أي: لا يقصرون في أن يفعلوا كل ما يقدرون عليه ليوقعوا فيكم البلبلة، والفساد، والشر، وخلق الاضطراب، والاختلاف بينكم.
{وَدُّوا}: من الود، وهو الحب الذي تمليه طباعهم، وقلوبهم.
{مَا عَنِتُّمْ}: ما: مصدرية، وتقديره: ودوا عنتكم بأي وسيلة، وأي نوع من العنت، وإلحاق الضرر، والمشقة بكم، عنتم: مشتقة من العنت: وهو الوقوع في أمر شاق، أو الضرر بكم.
إذن ودوا ما عنتم: أحبوا إلحاق الضرر بكم والمشقة، وإهلاككم.
{قَدْ}: حرف تحقيق يفيد التوكيد.
{بَدَتِ}: ظهرت.
{الْبَغْضَاءُ}: شدة الكراهية، وإذا اشتدت البغضاء تحولت إلى شنآن، أو قِلى.
{مِنْ أَفْوَاهِهِمْ}: حيث تزل ألسنتهم بالخطأ من الشتم، والكذب، والمخالفة.
{وَمَا تُخْفِى صُدُورُهُمْ}: من الكراهية، والحقد، والعداوة.
{أَكْبَرُ}: أعظم مما يقولونه بألسنتهم بطريق الخطأ.
{قَدْ بَيَّنَّا}: قد: للتوكيد، بينا: أوضحنا وأظهرنا.
{لَكُمُ الْآيَاتِ}: الدلائل التي تهديكم إلى سواء السبيل من عدم اتخاذهم بطانة لكم خاصة.
{إِنْ}: شرطية، وتفيد الشك، أو الندرة في الحدوث.
{كُنتُمْ تَعْقِلُونَ}: أي: إذا كنتم ذوي عقول نيرة تفهم الآيات. ارجع إلى سورة البقرة، آية (٤٤) والآية (٧٣)؛ للبيان.
وأما إذا لم يظهر منهم بادرة، أو موقف من هذه المواقف العدائية، فالله سبحانه وتعالى لا يمنعكم من أن تبروهم، وتقسطوا إليهم؛ حيث قال في سورة الممتحنة، آية (٨): {لَا يَنْهَاكُمُ اللَّهُ عَنِ الَّذِينَ لَمْ يُقَاتِلُوكُمْ فِى الدِّينِ وَلَمْ يُخْرِجُوكُم مِنْ دِيَارِكُمْ أَنْ تَبَرُّوهُمْ وَتُقْسِطُوا إِلَيْهِمْ إِنَّ اللَّهَ يُحِبُّ الْمُقْسِطِينَ}.