سورة المائدة [٥: ٢]
{يَاأَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لَا تُحِلُّوا شَعَائِرَ اللَّهِ وَلَا الشَّهْرَ الْحَرَامَ وَلَا الْهَدْىَ وَلَا الْقَلَائِدَ وَلَا آمِّينَ الْبَيْتَ الْحَرَامَ يَبْتَغُونَ فَضْلًا مِنْ رَّبِّهِمْ وَرِضْوَانًا وَإِذَا حَلَلْتُمْ فَاصْطَادُوا وَلَا يَجْرِمَنَّكُمْ شَنَآنُ قَوْمٍ أَنْ صَدُّوكُمْ عَنِ الْمَسْجِدِ الْحَرَامِ أَنْ تَعْتَدُوا وَتَعَاوَنُوا عَلَى الْبِرِّ وَالتَّقْوَى وَلَا تَعَاوَنُوا عَلَى الْإِثْمِ وَالْعُدْوَانِ وَاتَّقُوا اللَّهَ إِنَّ اللَّهَ شَدِيدُ الْعِقَابِ}:
{يَاأَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا}: نداء جديد إلى الذين آمنوا بتكليف جديد.
{لَا تُحِلُّوا}: لا: الناهية.
{تُحِلُّوا شَعَائِرَ اللَّهِ}: لا تستبيحوا، أو تحلوا شعائر الله (سائر ما فرض وأوجب) من الفرائض، والحرمات، لا تستحلوا بترك واجب، ولا بفعل محرم، ومنها: مناسك الحج، والشعائر غالباً ما تطلق على ما نسمِّيه: مناسك الحج، ومن الشعائر؛ أي: العبادات: الطواف، والسعي، والوقوف بعرفة، ورمي الحجرات؛ كل هذه تعد من شعائر الله.
والشعائر: جمع شعيرة، وقيل: العلامة، والإشعار: هو الإعلام، وشعائر الحج: هي معالمه الظاهرة للحواس؛ أيْ: مواضع النسك، أو العبادة، ونسمِّيها المشاعر؛ أي: المعالم المكانية، فنقول هنا: مطاف، وهذا مسعى، مقام إبراهيم، الحجر الأسود، والمشعر الحرام، وغيرها.
مثال: قوله سبحانه: {إِنَّ الصَّفَا وَالْمَرْوَةَ مِنْ شَعَائِرِ اللَّهِ} [البقرة: ١٥٨]. ارجع إلى سورة البقرة، آية (١٥٨)؛ لمزيد من البيان.
{وَلَا الشَّهْرَ الْحَرَامَ}: أيْ: ولا تحلوا الشهر الحرام بالقتال فيه، أو تبدِّلوها بغيرها، وتأخير حرمة شهر إلى غيره؛ أيْ: تقوموا بعملية النسيء.
وقال: الشهر الحرام، ولم يقل: الأشهر الحرم، وهي كما نعلم أربعة: ذو القعدة، وذو الحُجَّة، ومحرم، ورجب.
{الشَّهْرَ}: اسم جنس، والمفرد يطلق على الجنس.
وحرمة أيِّ شهر تمثل حرمة الأشهر كلها، ولا يختلف عنها.
{وَلَا الْهَدْىَ}: أيْ: لا تحلوا الهدي؛ أيْ: لا تتعرضوا للهدي بالسرقة، أو الحبس، ومنعه من الوصول إلى محلها؛ أي: المواضع الذي يحل فيه إراقة دمه، أو تأكلونه في الطريق إلى مكة.
{الْهَدْىَ}: ما يُهدى إلى البيت الحرام؛ تقرباً إلى الله تعالى.
والهدي: جمع هدية، فالحرم المكي كان قديماً بواد غير ذي زرع، ولم تكن به حيوانات كثيرة، أو أطعمة متوافرة، فكانوا يأتون بالهدي؛ للطعام، وإطعام الآخرين، ويذبحون في منى.
{وَلَا الْقَلَائِدَ}: أي: الأنعام المقلدة بالقلائد عند إهدائها للبيت.
والقلائد: جمع قلادة، وهو ما يعلق بالرقبة؛ رقبة الهدي؛ ليُعلم أنها مهداة للبيت؛ إذ كانوا قديماً يضعون هذه القلادة في رقبة الهدي؛ حتى يعلم أنه مهدى إلى الحرم، فلا يتعرضون له بالأذى، والسرقة.
لا تحلوها: أيْ: لا تأخذوها غصباً، أو تزيلوا القلادة من رقبتها.
{وَلَا آمِّينَ الْبَيْتَ الْحَرَامَ يَبْتَغُونَ فَضْلًا مِنْ رَّبِّهِمْ وَرِضْوَانًا}:
{وَلَا آمِّينَ الْبَيْتَ الْحَرَامَ}: أيْ: تمنعون القاصدين، والقادمين إلى البيت الحرام للحج، والعمرة من الوصول إليه للعبادة، ولم يذكر مكة أو بكة؛ لأن قاصدين مكة قد يكون للتجارة أو غيرها، ولنعلم أن هذه الآية نزلت قبل نزول آية: {إِنَّمَا الْمُشْرِكُونَ نَجَسٌ فَلَا يَقْرَبُوا الْمَسْجِدَ الْحَرَامَ بَعْدَ عَامِهِمْ هَذَا} [التوبة: ٢٨].
إذن يستثنى من ذلك أي مشرك، أو غير مسلم؛ فهؤلاء يمنعون من أن يقربوا المسجد الحرام، كما بيَّن رسول الله -صلى الله عليه وسلم-.
{وَلَا آمِّينَ الْبَيْتَ الْحَرَامَ}: يعني: الحجاج، والعمار المسلمين، لا تمنعوهم من الحج، والزيارة، والعمرة.
{يَبْتَغُونَ فَضْلًا مِنْ رَّبِّهِمْ}: قال: فضلاً من ربهم، ولم يقل: فضلاً من الله؛ لأن عطاء الربوبية يتمثل في الرزق، والأرباح، والتجارة، ويشمل الكافر، والمؤمن.
وعطاء الألوهية يتمثل في: افعل، أو لا تفعل، ولا يشمل إلّا المؤمن.
{وَرِضْوَانًا}: أيْ: يلتمسون نيل رضوان ربهم بقيامهم بأعمال الحج، والعمرة في سبيل الله، إضافة للسماح لهم بالتجارة، وطلب الرزق في أيام الحج.
{وَإِذَا حَلَلْتُمْ فَاصْطَادُوا}: إذا: شرطية؛ تفيد الحتمية.
وإذا أتممتم أعمال الحج، وتحللتم من إحرامكم، فاصطادوا، كما تشاؤون، ولكن في غير أرض الحرم، والإجماع هنا للإباحة بالصيد، وليس للوجوب، وهناك قاعدة أصولية مفادها: كل أمر بعد حظر؛ فهو للإباحة.
{وَلَا يَجْرِمَنَّكُمْ شَنَآنُ قَوْمٍ أَنْ صَدُّوكُمْ عَنِ الْمَسْجِدِ الْحَرَامِ أَنْ تَعْتَدُوا}:
{وَلَا}: الواو: استئنافية. لا: الناهية.
{يَجْرِمَنَّكُمْ}: من جرم؛ كسب، ويعني: غالباً كسب مالاً، لا خير فيه؛ أيْ: لا يكسبنكم شنآن قومٍ.
وقيل: جرمه: حمله على فعل شرٍّ، أو إثم؛ أيْ: لا يحملنكم شنآن، ومنه الجريمة، والجرم: قطع الثمرة من الشجر.
والشنآن: هو البغض الشديد الذي يسبب التباعد وربما العداوة.
يقال: شنأه؛ إذا أبغضه، اشنأه؛ أيْ: أبغضه.
فمعنى الآية: لا يحملنكم، أو لا يكسبنكم بغض قومٍ، أو عداوة قوم أن صدوكم، أن: مصدرية؛ للتعليل؛ لأجل أن صدوكم عن المسجد الحرام، كما حدث يوم الحديبية: أن تعتدوا عليهم، والخطاب كان موجَّهاً للرسول والصحابة؛ إذ صدهم المشركون عن الدخول إلى مكة للعمرة، وتم صلح الحديبية، فجاء الأمر بالنهي عن قتال هؤلاء، أو الاعتداء عليهم، وإياكم والعواطف أن تكون هي السبب للاعتداء عليهم.
ولنعلم ما هي مراحل البغض: تبدأ بالبغض، ثم القلى، ثم الشنآن، ثم المقت.
{وَتَعَاوَنُوا عَلَى الْبِرِّ وَالتَّقْوَى}:
{الْبِرِّ}: هو الإيمان الحقيقي الكامل لأصول الاعتقاد، وما يتقرب به إلى الله من إيمان، وعمل صالح، واعتقاد، وأخلاق، ومعاملات، وباختصار: هو فعل الخير والتقوى؛ أيْ: تعاونوا على فعل الطاعات، واجتناب المنكرات والمنهيات.
{وَلَا تَعَاوَنُوا عَلَى الْإِثْمِ وَالْعُدْوَانِ}:
{الْإِثْمِ}: في اللغة: التقصير، وشرعاً: هو فعل الحرام، أو ترك واجب، وقيل: فعل القبيح الذي عليه تبعة. ارجع إلى سورة الأعراف، آية (٣٣)؛ لمزيد من البيان.
والعدوان: هو الظلم، والاعتداء، ويشمل: التعدي على حدود الله، وتعريف العدوان: إرادة السوء، أو الشر لمن تعاديه، والبعد عنه.
{وَاتَّقُوا اللَّهَ}: قيل: هي كفُّ النفس عمّا نهى الشارع عنه، سواء حراماً كان، أم مكروهاً.
والطاعة: قيل: هي القيام بما أمر الشارع به، سواء أكان واجباً، أم مستحباً.
وباختصار: التقوى: الالتزام بأوامر الله تعالى، وتجنب نواهيه.
والتقوى: مأخوذة من الوقاية من عذاب الله وسخطه، وبالتالي الوقاية من النار.
{إِنَّ اللَّهَ شَدِيدُ الْعِقَابِ}: إن: تفيد التوكيد على {اللَّهَ شَدِيدُ الْعِقَابِ}.
كلمة العقاب وردت في (٦٤) موضعاً من القرآن.
ولتعلم: أن العذاب نوع من العقاب، ولتعلم: أن العذاب أوسع من العقاب؛ لأنه يقع في الدنيا والآخرة، بينما العقاب يقع فقط في الدنيا.
{الْعِقَابِ}: وسمِّي العقاب؛ لأنه يقع بعد الفعل، أو الذنب، والفاعل يستحق العقاب عقب فعله، وقد وردت الآيات الكثيرة في أن الله سريع العقاب، شديد العقاب، ولم ترد في القرآن أي آية بأن الله سريع العذاب.
الفرق بين العقاب والعذاب:
العقاب: نوع من العذاب.
١ - يكون فقط في الدنيا.
٢ - لا يؤخر.
العذاب: أعم من العقاب.
١ - يكون في الدنيا وفي الآخرة.
٢ - يؤخر.
{إِنَّ اللَّهَ شَدِيدُ الْعِقَابِ}: صفة ثابتة وعامة.
وورد أن الله شديد العقاب (١٤) مرة في القرآن.